يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقبة، تبدو أنها تتصاعد حدتها، وهي الخلاف بين الكتل المرشحة للدخول إلى الائتلاف الجديد، حول مسألة تجنيد الشبان اليهود الأصوليين "الحريديم" في جيش الاحتلال، إذ أن نتنياهو وفي حال لم يتم الاتفاق على صيغة توافقية، سيكون أمام خيارات لتشكيل حكومة ذات أغلبية ضيقة، في واحد من الاتجاهين، مع كتل "الحريديم" أو من دونهم.
وكانت قضية تجنيد "الحريديم" قد تفجرت قبل عام من الآن، على إثر صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية يقضي ببطلان شرعية تمديد قانون مؤقت كان يسمح بالاستمرار في إعفاء الشبان "الحريديم" من الخدمة في جيش الاحتلال، إذ أنهم يرفضون الخدمة لأسباب دينية، رغم توجهاتهم اليمينية.
ولم تنجح حكومة نتنياهو في التوصل الى صيغة قانونية، لكون الزعامات الروحية لطوائف "الحريديم" ترفض بشدة تجنيد شبانها، والتشدد الأكبر هو لدى اليهود الأشكناز (الغربيين) بينما السفراديم (الشرقيين) يبدون من حين إلى آخر، استعدادا لوضع آليات لفرض خدمة بديلة، وبشكل محدود، تحت تسمية "الخدمة المدنية".
وتتصاعد قضية تجنيد "الحريديم" على ضوء ارتفاع نسبتهم بوتيرة عالية من بين الشبان اليهود، فمثلا في فوج التجنيد الأخير في جيش الاحتلال في نهاية العام الماضي، بلغت نسبة الشبان "الحريديم" من إجمالي الشبان الذين يشملهم قانون التجنيد الإلزامي 13 %، وكل المؤشرات تقول إن النسبة سترتفع مع السنين، ويطالب العلمانيون "بتقاسم العبء" بمعنى اشراك الحريديم في الجيش، خاصة وأنهم يتلقون ميزانيات ضخمة لمعاهدهم الدينية من الخزينة العامة.
وقد أفرزت الانتخابات نتائج لم يتوقعها نتنياهو في هذا المجال، فمن ناحية، ازدادت قوة كتلتي "الحريديم" البرلمانية بمقعدين، من 16 الى 18 مقعدا، وفي المقابل، فإن قوة التيار "الديني الصهيوني" الذي يمثل أيضا المستوطنين، ارتفعت قوتهم من 7 مقاعد الى 12 مقعدا، ولكن المفاجأة من ناحية نتنياهو، هو أن الكتلة الجديدة للتيار الديني الصهيوني والاستيطاني، كتلة "هبايت هيهودي"، كشفت عن موقف متشدد جدا، ولم يكن بهذه الحدة من قبل، بمطالبتها بتجنيد "الحريديم"، والتقت هذه الكتلة بالرأي مع كتلة "يش عتيد" (يوجد مستقبل) العلمانية، التي تطالب بتجنيد شبه كامل، واعفاء طفيف لبضع مئات من الشبان الحريديم سنويا.
وترفض الكتلتان "هبايت هيهودي" و"يش عتيد" مقترح الحل الوسط، الذي اقترحه الوزير موشيه يعلون من الليكود، وهو عمليا، يدحرج الأزمة الى خمس سنوات أخرى، إذ يواصل منح غالبية شبان "الحريديم" الاعفاء من الخدمة، وترك مسألة تحديد الأعداد الى مرحلة لاحقة.
وبموازاة ذلك، تصاعدت التصريحات "الهجومية" من طرفي الخلاف، فحاخامات الحريديم، أكثروا من تصريحات تكفيرية لزعيم كتلة "هبيت هيهودي" نفتاليبينيت، رغم انه متدين من التيار "الديني الصهيوني"، في حين صدرت تصريحات مضادة، من بينيت وحليفة العلماني، زعيم كتلة "يش عتيد" الذي قال هذا الاسبوع، إنه في اللحظة التي يكون فيها شريكا في حكومة مع "الحريديم" فإن حياته السياسية تكون قد انتهت.
وأمام هذا الوضع، وفي حال لم يتم التوصل الى صياغات توافقية، تبدو حتى الآن صعبة للغاية في هذه القضية، فإن نتنياهو سيقف أمام خيارات لتشكيل حكومة أغلبية ضيقة، بالأساس على ضوء إصرار حزب "العمل" برئاسة شيلي يحيموفيتش، على البقاء في مقاعد المعارضة، حتى الآن.
والنموذجان الماثلان أمام نتنياهو هما: أولا، حكومة ترتكز على كل كتل اليمين المتطرف، تضاف لها كتلة "كديما" من نائبين، وهذا الائتلاف الأسوأ الذي سيكون أمام نتنياهو، كون الأغلبية فيه ضعيفة، وهي معرضة لاهتزازات كبيرة في العمل الجاري للكنيست، من تشريعات وما شابه. وفي هذا النموذج، كنموذج الأقلية الأول، فإن كل واحدة من الكتل الشركاء في الحكومة، تستطيع أن تقرر مصير الحكومة.
وثانيا، حكومة تستثني كتلتي الحريديم، وتضم "يش عتيد" و"كديما" وائتلاف كهذا سيضم 64 نائبا، ولكنه لن يكون سهلا على نتنياهو، إلا إذا ضم له "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني، ما يرفع الأغلبية الى 70 نائبا من اصل 120 نائبا، ومشكلة نتنياهو مع ائتلاف كهذا، هي أن درجة الالتزام فيه لسياسة الليكود واليمين المتشدد ستكون اقل بكثير، من الائتلاف الذي كان قائما حتى الانتخابات.
وجرت العادة في اسرائيل، أنه حينما تصل المفاوضات الائتلافية الى طريق مسدود، فإن المكلف بتشكيل الحكومة، وفي هذه الحالة نتنياهو، سيتدخل شخصيا، ويدير المفاوضات بنفسه مع رؤساء الكتل لتسريع عملية تشكيل الحكومة.
ويتوقع مراقبون، أن نتنياهو سيصر على تشكيل حكومته، حتى موعد اقصاه مطلع الشهر المقبل آذار (مارس) قبل خروج الكنيست الى عطلة الربيع في منتصف الشهر المقبل.