كم نحن في حاجة ماسّة إلى تنظيف قلوبنا !
فنحن نبالغ في التخليل بين الأصابع ، وذلك حسن ، والأحسن منه أن ننظر إلى أحقادنا وأدوائنا التي تخلَّلت بين خلجات قلوبنا ، وتلك الأوهام كالأورام التي اندسَّت بين طيّات نفوسنا ، فنداويها ، ونبريها مما فيها ..
ولكن ـ ويا للأسف ، ويا طول التلف ! ـ فبقدر خوفنا من علل الأجسام ، بقدر غفلتنا عن علل القلوب وأمراض النفوس ، وتلك الحالقة !
فها أنت ترى الرجل المهيب ، فتبني له في قلبك قصرًا مشمخرّاً في السماء ، فمظهره الصلاح ، وسيماه التُّقى ، وهيأته الاستقامة ، فإذا نطق لسانه ، أعرب بيانه عمَّا في قلبه من أدواء مهلكة ، وأمراض معطبة ، وأحقاد مردية قد سيطرت على فكره ، وغدت تسوس علاقته بغيره ، وتجعله أسيرًا لظنونه ، منقادًا لوساوسه ، كنعجة السوء في كف من يسوسها !
فيسقط من حالق ، ويتردّى من شاهق ، لتعلم أنه كالدمامل المتضخمة ، والدواهي في مكامنها تحوم !
فهو سيء الظن بالناس ، خبيث الطويّة ، فاسد النيّة ، يحسد الناس على ما آتاهم مولاهم من النعم كأنما هي من أطراف بدنه ، ويحقد على القريب منه قبل البعيد عنه ، فهو يتخيّل أن كلَّ تصرُّف ضدَّه ، ويتصوَّر أن كلَّ كلمة تُقال له لهما من المعاني الخفيَّة ما يفوق معانيها الجليّة ، ويعتقد أنه محسود على النعم ، مرصود بكلِّ النِّقم ... فتبّاً له ما أعطبه !!
أليس هذا بحقيق أن يلتفت إلى قلبه المريض فيبادره بالتربية والتزكية والتهذيب والتأديب ؟!
ألا ما أحوجنا إلى غسل قلوبنا السقيمة بأحقادنا القديمة كما نغسل أطباق طعامنا ، فلن ينجو في يوم القيامة إلا أصحاب القلوب السليمة والنفوس المستقيمة ..
يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما :" إن أفضلكم ؛ صدوق اللسان ، مخموم القلب " .. و " مخموم القلب ؛ التقيُّ ، النقيُّ ، لا إثم فيه ، ولا بغي ، ولا غلَّ ، ولا حسد "
ائتوني بقلب كهذا ، وألقوني في فم الأسد ، فما بعدها سوى :[ ونزعنا ما في صدورهم من غِل إخوانًا على سرر متقابلين ]