سحبٌ تلوح ورعدها يتكلم
والأرض تسمع ما يقال وتفهم
وفم الربيع الطلق يحكي قصة
ممّا مضى وفؤاده يتألم
كانت هنالك روضة مخضرة
وبلابل في ظلها تترنّم
كانت هنالك زهرة فوّاحة
وصغيرة ترعى وطفل يحلم
كانت هنالك أسرة مستورة
تحيا الكفاف وبالتآلف تنعم
كان المساء حكاية ليليّة
يَهذي بها قمر و تنصف أنجم
كان الصباح قصيدة عربية
والشمس تنشدها فلا تتلعثم
كانت ربوع القدس أراضا حرة
تُرعى كرامتنا بها وتُعظّم
يأتي إليها الفجر طفلا أشقرا
ولسانه بالذكريات يتمتم
كنّا بها الأحباب يجمع بيننا
دين يلمُّ شتاتنا وينظّم
ومضت بنا الأيام ، ليل حالك
يسطو ، وفجر ضاحك يتجَهّم
ومضت بنا الأيام ، بيت رذيلة
يبنى وبيت فضيلة يتهدم
ومضت بنا الأيام ، مركب حسرة
ينجو ، وزورق فرحةٍ يتحطّم
ومضت بنا الأيام ، موكب عزمنا
متوقف ، وعدوّنا يتقدم
وسمعت صوتا في معارة خوفنا
يوحي صداه بظالم لا يرحم
من أين هذا الصوت ؟ كل إجابة
تاهت ووضع بلادنا يتأزّم
ومضت بنا الأيام حتى أسفرت
عن وجهها الأحداث واختلط الدّم
وتجدد الصوت الغريب ، نداؤه
شؤم ، وأصوات المدافع أشأم
وتجددت مأساتنا ، وتمزّقت
أوصال أمتنا ، ونام الضّيغم
من صاحب الصوت الغريب وما
الذي أغراه بي ، حتى أتي يتهجّم
هو صوت شذّاذ اليهود ، وراءه
قوّات أمريكا تُغير وتهجم
ماذا يقول الصوت ؟ نصف حديثه
دعوى ، ونصف حديثه لا يفهم
مازال ينطق والوسائل لم تزل
تروي لنا أقواله وتقدّم
صوت ينادي أمتي ورجالها
جهرا ، ونيران الضغينة تُضرم :
لا ترفعوا رأسا ، فإن حسامنا
بإزالة الرأس العزيزة مُغرم
لا ترفعوا كفّا ، فإن عيوننا
مبثوثة ، والقيد قيد أدهم
لا تنطقوا حرفا ففي قانوننا
أنّ الثغور الناطقات تكمّم
وإذا ضربناكم فلا تتحركوا
وإذا سحقناكم فلا تتألّموا
وإذا أجعناكم فلا تتذمّروا
وإذا ظلمناكم فلا تتظلّموا
نلقي الطعام لكم ، فإن قلنا : كلوا
فكلوا ، وإلا بالصيام استعصموا
عربٌ وأجمل ما لديكم أنكم
سلمتمتونا أمركم وغفلتموا
ماذا دهاكم ؟ تطلبون حقوقكم
طلب الحقوق من الضعيف محرّم
نحن الذين نقول ، أما أنتموا
فالغافلون الصامتون النوّم
الأرض ، كل الأرض مسرحنا الذي
تجري الفصول عليه وهو مقسّم
نجري الشخوص كما نشاء ونشتهي
الدَور يملا ، والمشاهد ترسم
لن تستريح قلوبنا إلا إذا
لم يبق في الأرض الفسيحة مسلم
وسكتّ أبحث عن جواب مفّحم
وأصفّ أرتال الحروف وأنظِم
ما كنت أعرف ما الجواب وربما
وقف الحكيم كأنّه لا يعلم
وهمَمت أن ألوي العنان وقد بدا
أني احتُُبِست وأنني لا أفهم
وإذا بجبهة فارس متوثب
يدنو ويرفع رأسه ويسلّم
من أنتَ ؟ وانبهرت حروفي والتوى
وجه السؤال وأثْبَتتْني الأسهم
من أنتَ ؟ وامتدت إليه مشاعري
جسرا ، وقلبي بالسعادة مفعم
من أنتَ ؟ أوزان القصيدة لم تزل
عطشى وأفق الشاعرية معتم
من أنتَ ؟ أشعر أن بئر مخاوفي
من بعد ما شاهدت وجهك تُردم
من أنتَ ؟ لا كفٌ تمد إلى العدا
مسلوبةَ المعنى ولم ينطق فم
ووقفت حين رأيت طفلا شامخا
قاماتنا من حوله تتقزّم
طفلٌ صغير غير أن شموخه
أوحى إلي بأنه لا يَهرم
طفلٌ صغير والمدافع حوله
مبهورةٌ والغاصبون تبرّموا
في كفّه حجر ، وتحت حذائه
حجر ووجه عدوّه متورّم
من أنتَ يا هذا ؟ أعدْت تساؤلي
والطفل يرمقني ولا يتكلّم
من أنتَ يا هذا ؟ ودحْرج نظرة
نحوي لها معنىً وراح يتمتم :
أنا من ربوع القدس طفلٌ فارس
أنتا مؤمن بعقيدتي أنا مسلم
لغة البطولة من خصائص أمتي
عنّا رواها الآخرون وترجموا
من ذلك الوقت الذي انتفضت به
بطحاء مكة ، والحطيم و زمزم
منذ التقى جبريل فوق ربوعها
بمحمد يتلو له ويعلّم
منذ استدار الدهر دورته التي
عزّ التقيّ بها وذلّ المجرم
أنا من ربوع القدس تحت عمامتي
عقل يفكر في الأمور ويحسم
ناديت قومي والرياح عنيفة
والصمت كهف والظلام مخيّم
ناديتُ ، لكن الذي ناديته
أعمى أصمّ عن الحقيقة أبكم
ناديتُ لكن الذي ناديته
أمسى على ماء التخاذل يَََرقم
ناديتُ ، لكن الذي ناديته
بالنوم في الفرش الوثيرة مُغرم
ويئست ، ثم تركت قومي بعضهم
يبدي تآمره و بعض يكتم
ومضيت وحدي في دروب عزيمتي
إن المجاهد حين يصدق يعزم
ورأيت أعدائي صغارا ، كلما
واجَهتهم بيقين قلبي أحجموا
وغدوت أدعو من رجال عشيرتي
من سافروا خلف السراب ودمدموا :
يا من رحلتم في دروب ، شوكها
صعب المراس ، ورملها متكوّم
هذي منابركم تزلزل نفسها
سأما وقد كفرتْ بما قرّرتمو
طيروا بأجنحة السياسة حيثما
شئتم ، وقولوا ما أردتم وارسموا
وقفوا أمام وسائل الإعلام في
سمْت ، لتأخذ صورة وتبسموا
واستمطروا من هيئة الأمم التي
هرمت بقايا عطفها كي تغنموا
وترقبوا تأشيرة لدخولكم
فلربما جادوا بها وتكرّموا
وابنوا لكم في كل أرض دولة
الشعب والحكام فيها أنتمو
ودعوا لنا درب الجهاد فإنه
درب الخلاص لنا وإن كابرتموا
درب مضى فيه الرسول وصحبه
نشروا به الحق المبين وعلّموا
ماذا أصاب القوم ، ما أهدافهم
ما بالهم قد أبهموا وتكتّموا
قالوا انتفاضتنا صنيعتهم ولو
صدقوا لقالوا : إنهم لم يعلموا
نحن انتفضنا غيرة وتذمرا
مما جناه الغاصبون وأجرموا
يا أمة الإسلام نحن حقيقةٌ
في أرضنا فتدبّروا وتفهموا
ها نحن في درب الجهاد وفوقنا
مطر الرصاص وللحجارة موسم
من داخل الوطن السليب جهادنا
لسنا وراء حدوده نتكلّم
وإذا سألتم عن حقيقة حالنا
فلدى حجارتنا جواب مفحِم
نرمي بها الباغي وفي إسلامنا
أن الشياطين اللعينة تُرجم
أنا من ربوع القدس طفل شامخ
أحمي فؤادي باليقين وأعصم
مازلت أرقى في مدارج عزّتي
قلبي دليلي والعزيمة سلّم
وأرى بعين بصيرتي مالا يرى
غيري وأعرف ما يحاك ويُبرم
وإذا سألتم عن بني قومي ففي
كتب الحقيقة ما يمضّ ويؤلم
لا تسألوا عن حالهم فهناك من
يمحو مآثر شعبه ويهدّم
وهناك من يبني سعادته على
كتف الضعيف ويستبد ويظلم
وهناك من يسخو على شهواته
ويمِضه في المكرمات الدرهم
وهناك من ينسى بأن رحالَه
تمضي ، وأن الموت أمر مبرم
وهناك من يدعو إلى سفن الهدى
وهو الغويّ إذا خلا والمجرم
وهناك من يشدو بشعر بارد
ومازال يسرق لفظه ويترجم
ذبحوا القصيدة واستباحوا عرضها
وجنوا على أحلامها وتهجّموا
إني أقول وللدفاتر ضجّة
حولي َ، تهيَّب من صداها المرسم :
لو كان أمر الناس في أيديهمو
ما مات فرعون وقام المأتم
لو كان أمر الناس في أيديهمو
ما ظل مكتوف اليدين الأشرم
لو كان أمر الناس في أيديهمو
ما سفّ من ترب الهزيمة رستم
سكت الرصاص فيا حجارة حدّثي
أنّ العقيدة قوة لا تُهزَم