لله حكمًا بالغة في تأخير الدعاء
قال الدكتور خالد الماجد الأستاذ في كلية الشريعة بالرياض إن لله عز وجل حكماً بالغة في تأخير إجابة الدعاء ، وهو سبحانه لا يعجل عجلة المخلوق ، كما أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه ، وهذا سرّ بديع يحسن بالعبد أن يتفطّن له حال دعائه لربه .
وأشار الماجد إلى أنه من الحكم في تأخر الإجابة :
1ـ أن تأخر الإجابة من البلاء الذي يحتاج إلى صبر ، فتأخر الإجابة من الابتلاء ، كما أن سرعة الإجابة من الابتلاء قال تعالى : " ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" (الأنبياء :35).
2ـ أن الله عز وجل له الحكمة البالغة، فلا يعطي إلا لحكمة، ولا يمنع إلا لحكمة، وقد ترى في الشيء مصلحة ظاهرة ، ولكن الحكمة لا تقتضيه ، فقد تخفى الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر، ولكنه يقصد بها المصلحة الآجلة ، فلعل هذا من ذاك .
3ـ قد يكون في تحقق المطلوب زيادة في الشر ، فربما تحقق للداعي مطلوبه ، وأجيب له سؤله ، فكان ذلك سبباً في زيادة إثم ، أو تأخير عن مرتبة ، أو كان ذلك حاملاً على الأشر والبطر ، فكان التأخير أو المنع أصلح .
4ـ أن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه ، وهذا سرّ بديع يحسن بالعبد أن يتفطّن له حال دعائه لربه ، ذلك أن الله ـ عزّ وجلّ ـ أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، فهو أعلم بمصالح عباده منهم ، وأرحم بهم من أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم .
5- تأخر الإجابة سبب لتفقّد العبد لنفسه ، فقد يكون امتناع الإجابة، أو تأخرها لآفة في الداعي ، فربما كان في مطعومه شبهة ، أو في قلبه وقت الدعاء غفلة ، أو كان متلبساً بذنوب مانعة .
وردا على مسألة أوردها موقع المسلم لرجل يدعو لأحد أقربائه، ويتوخى أسباب الإجابة ، ثم بعد ذلك يسأل من دعا له عن أحواله؛ حتى يرى هل استجيبت دعوته أم لا ؟ فإذا علم أنه لم يحصل للمدعو له أي شيء من دعائه له أخذ يستغرب كيف لا يستجاب له؟! قال الماجد في بحثه ردا على هذه المسألة إن هذا الداعي قد أساء الأدب مع ربه ـ جل وعلا ـ ، ثلاث مرات :
الأولى : حين بحث في أحوال من دعا له ، لينظر هل استجيبت دعوته له أم لا ، فكأنه يمتحن ربه .
الثانية : حين ادعى لنفسه تكميل أسباب إجابة الدعاء ، ونسي موانعها التي قد يكون تلبّس بواحد منها ، وهذا من العجب ، فهو بذلك قد أحسن الظن بنفسه ، وأساء الظن بربه عكس ما يجب عليه .
الثالثة : حين استعجل الإجابة ، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم ، ما لم يستعجل " قيل : يا رسول الله ما الاستعجال ؟ قال : " يقول : قد دعوت ، وقد دعوت فلم أر يستجب لي ، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء " . أخرجه بهذا اللفظ مسلم.
ثم إنّ مما ينبه عليه أن ثمرة الدعاء مضمونة بإذن الله فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير ، وسينال نصيباً وافراً من ثمرات الدعاء ولابد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : " ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل ، أو كفّ عنه من السوء مثله ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم " رواه أحمد (14879) ، والترمذي (3381) ، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع ( 5678 ) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : " ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدّخرها له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها ، قال : إذن نكثر ، قال : " الله أكثر " . أخرجه البخاري في الأدب المفرد ( 710) وقال الألباني : صحيح .
وأخيرا َ نسأله سبحانه ألا يحجُب دُعائنا بسبب ذنوبنا . فإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه