إلى أي مدى يمكن أن يكون تدخل الأسرة في تحديد اختيارات الأبناء الدراسية أو المهنية ضاراً بقدرتهم على العطاء والإبداع ؟ .. إن أنجع طرق التربية تُختزل في عبارة (رب إبنك على الحرمان والإستقلال) هذه العبارة تجسد أهم ما ترمي إليه التربية بمعناها النفسي العميق.
فلصقل البناء النفسي للطفل وتنشئته بطريقة تُفضي إلى تمتعه بصحة نفسية وبسواء إنفعالي متزن ، لابد من تدريبه على الحرمان، وترويضه على التعايش معه منذ نعومة أظفاره. إن تحقق ذلك نشأ بالتبعية الشعور بالفطام النفسي عن حضانة الوالدين وإنطلق الإبن أو البنت في إستشراف المستقبل بإستقلالية وتفرد منطلقين الى فضاءات الحياة الرحبة ببناء نفسي قوي يمكنهم من تفهم ذواتهم وقدراتهم بصفاء ذهني بعيدا عمّا يولده ضنك الإحتواء النفسي من قبل الأسرة من تشويش في الرؤية، وضبابية في تلمس ما يُلائم الذات من فرص دراسة تتسق والقدرات أو من مهن مستقبلية تتماشى مع الإستعدادات الشخصية، وبهذا التزاوج يُخلق ما يعرف "بالتوافق المهني" الذي يُعد ركيزة أساسية من ركائز الصحة النفسية.
هل يعتبر التوجيه تدخلاً؟ وما الحد الفاصل بين التوجيه والإكراه للأبناء لاختيار مسارات معينة لمستقبلهم؟
التوجيه بمعناه الصحيح يعني التدخل بشكل إيجابي فعّال . بمعنى إبراز خصائص كل مهنة أو كل تخصص، والمساعدة في إبراز أهم قدرات وإستعدات الطالب أو الطالبة ..ومن ثم ترك أمر القرار للمعني ذاته ليزاوج بين خصائص المهنة أو التخصص
وما لديه أو لديها من سمات شخصية وقدرات إيجابية.
لا يوجد حدا فاصلا بين التوجيه والإكراه. . لأنتماءهما لعالمين مختلفين من الفكر. فالتوجيه ينتمي لعالم الوعي وشمس المعرفه. والإكراه ينتمي للعصور الغابرة المظلمة التي تتلاشى فيها فردية الإنسان مع قطعان المجموع!.
ما دور المؤسسات التعليمية والتربوية في استكشاف وتحديد اتجاهات الطالب في دراسته المستقبلية؟
مع الإعتراف بجهود وزارة التربية والتعليم في تأهيل المرشدين الطلابيين، إلا أن الأمل لا يزال يحدونا إلى إيجاد برامج توجيه وإرشاد تتسق ومتطلبات العصر . ولعل أبرزها الإعداد الكفء للمرشد الطلابي وتوفير البيئة الإرشادية الحانية وتوافر المقاييس النفسية المطلوبة وكذلك بطاريات الإختبارات المتعلقة بالقدرات ... إضافة إلى وجود بنك معلومات يُعنى بتحليل خصائص المهن ...فالإرشاد المهني يعني بإختصار"المزاوجة بين قدرات الشخص وسمات المهنة"...فبدون توافر الطاقم البشري المؤهل ووجود الإمكانات المادية والفنية ، سيظل الإرشاد لدينا مقتصرا على حصر الغياب والحضور ودراسة بعض الحالات بشكل متواضع في ظل بيئات إرشادية لا تتوافر في معظمها أبجديات البيئات الإرشادية الصحيحة.