ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان الى يوم الديـــن ، أما بعد ...
قل تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] فإعلان السلفية أن المرجعية للقرآن والسنة بفهم سلف الأمة يعنى التزام الدين في الاعتقاد والقول والعمل وخضوع جميع التصرفات إلى هذا الميزان الواضح فعلى هذا تشمل السلفية من حيث الأشخاص جميع المسلمين ومن حيث الأفعال جميع التصرفات ومن حيث التكاليف جميع الدين ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الدين النصيحة» (صحيح النسائي:4210)، و«انصر أخاك ظالما أو مظلوما» (صحيح البخاري:6952)،وهذا أيضا يعني أن لا مزية لأحد من المسلمين على آخر إلا بلزوم المنهج الرباني، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
ولقد جاءت خطوة إنشاء الأحزاب الإسلامية لخدمة هذا المنهج والدفاع عن الشريعة بعدما فُتح المجال للعمل السياسي للجميع فاستفاد من ذلك من شارك في الثورة ومن لم يشارك فيها! فكان لا بد للعاملين في مجال السياسة ممن يتبنى المنهج السلفي أن يلتزموا هذا المنهج في المقاصد والوسائل والأفعال.
ولقد حرصت الدعوة السلفية على أن يكون لها قدر من الاستقلال لم يقتصر على حد التنظيم بل تجاوز ذلك إلى الحد الذي أظهر للكثيرين أن هناك رغبة للانفراد بتمثيل التيار السلفي خاصة والإسلامي عامة مما أثمر مخاوف كبيرة من اتساع دائرة الانشقاقات والخلافات داخل الصف الإسلامي وهو ما يعني خللا كبيرا في تطبيق المنهج السلفي الذي من أعظم ثمراته توحيد الصف والتعاون على البر والتقوى.
فمنذ منّ الله تعالى على مصر بالثورة المباركة تطلعت الآمال إلى توحد الصف الإسلامي بجميع فصائله وإذابة الخلاف أو تضييق دائرة الخلاف إلى أقصى حد ممكن للدخول في مرحلة الدولة الإسلامية وتجاوز فترة زمنية عصيبة امتدت لعشرات السنين زكى فيها النظام الطاغوتي البائد الخلافات بين أبناء التيار الإسلامي لإضعاف المشروع الإسلامي ومحاولة القضاء عليه، ولأن الخلافات القديمة امتدت لسنوات وتركت آثارا في النفوس كان الأمر يحتاج من المخلصين إلى الصبر ومحاولة الإصلاح والتقريب وبدء مرحلة تقوم على التناصح والتكامل لا على التناحر والتنافس فكان أولى الناس في السعي إلى ذلك هم أصحاب المنهج السلفي الذي يشمل المسلمين جميعا لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! حيث حرصت الدعوة السلفية حرصا شديدا على محاولة تصدر المشهد السلفي خاصة والإسلامي عامة وعلى الانتشار بصورة تتجاهل الآخرين حتى من ينتمون إلى نفس المنهج!! وظهر ذلك جليا في مواقف متعددة كان آخرها هذه المبادرة الاخيرة والتي كشفت عن الحاجة الملحة لإصلاح مشاهد متعددة:
المشهد الأول: وهو مشهد الانفراد بالقرارات وعدم المشورة وهنا نفرق بين أمر تنظيمى خاص بالحزب أو الدعوة ويختص به أهل المشورة في الحزب أو الدعوة وبين أمر يتعلق بالشأن العام حيث يتعدى نفعه أو ضرره على البلاد والعباد، خاصة في وقت يُتربص فيه بالتيار الإسلامي بصورة غير مسبوقة وغير خافية ولذلك ظهر شؤم هذه الانفرادية من الحزب والدعوة وترك الأمر الشرعي بالعمل بالشورى على حرمان التوفيق في أوقات عصيبة ومواقف مصيريه كالمشاركة في الثورة نفسها، أو اختيار المرشح الرئاسي أو الجلوس مع رأس حربة النظام السابق قبيل الإعلان عن نتيجة انتخابات الرئاسة في تعبير عن إقرار وموافقة على احتمالية جلوسه على كرسي الرئاسة والتعامل وفقا لذلك، أو الموقف الأخير من تبني مواقف ما يسمى بجبهة الإنقاذ، وهي المواقف التي اختلفت فيها الرؤية في تقدير المصالح والمفاسد وظهر جليا من نتائجها الخطأ المتكرر في اجتهادات الحزب والدعوة ولم يشفع لها إعلان النية الصالحة التي لا تصلح العمل الفاسد!
المشهد الثانى: وهو أكثر سوءًا من مجرد الخطأ المتكرر وهو رفض النصيحة ورفض الرجوع للحق أو الاعتراف بالخطأ، وكأن هناك عصمة واجبة لاجتهادات الحزب والدعوة!
والمشهد الثالث: وهو أكثر سوءا في التعسف في تبرير المواقف والإصرار عليها بتبريرات بعيدة عن محل النزاع كالرغبة في الإصلاح وحقن الدماء، وهو ما لا خلاف عليه كهدف وإنما الخلاف في كيفية الوصول إليه طبعا وهذا تبرير يمكن قبوله إن كان على وجه الاعتذار لا على وجه اختيار المجادلة بديلا عن المراجعة، خاصة وأن التعسف في تبرير المواقف أثمر تبريرات سطحية لا أدري هل تعبر عن الاستخفاف بعقول الآخرين أم عن مستوى أصحابها الفكري الحقيقي أم عن إعجاب بالنفس أم شيء آخر!
والمشهد الرابع: وهو أكثر سوءا في رمي المخالفين بالغيرة والحسد والأنفاس الحادة على الحزب والدعوة مع إعطاء الحق للحزب والدعوة في انتقاد الآخرين في مشهد طافح بالتناقض الغريب!
إن هذه المشاهد المتكررة يأباها بشدة المنهج السلفي فهي تنتج شبابا متعصبا للكيان عصبية تحمله على عدم قبول النصيحة وسوء الظن بالآخرين ومعاداتهم مع عدم إصلاح الأخطاء فهي مشاهد يُخشى منها أن تعبر عن النرجسية والإقصائية والحمية والعصبية، وكلها أمور تخالف المنهج السلفي الذي يدعو إلى التآلف والتوحد والمشورة والتواضع والصبر، وخفض الجناح وحسن الظن والتعاون على البر والتقوى، فأين هذا من ذاك؟!
إن من أعظم ما يثنى به على الفرد أن يكون رجاعا إلى الحق كما كانت صفة عمر رضى الله عنه، بل وصفة عامة الصحابة والتابعين والسلف الصالح وهذا يطرح تساؤلات تزن تصرفات الحزب والدعوة وتحاكمها إلى المنهج السلفي:
- هل السلفية جماعة أم منهج؟ وهل تشمل جميع المسلمين أم لا؟ وهل الإخوان وغيرهم ممن يدخلوا في اتباع المتهج السلفي ويأخذ بحظه منه بقدر ما يلتزمه ويصيبه النقص فيه بقدر ما يخالفه في اعتقاد أو قول أو عمل وكذلك سائر الجماعات الإسلامية وكذلك سائر المسلمين فما الذي يجعل انتقاد الإخوان مباحا لا غضاضة فيه بينما انتقاد الدعوة السلفية جرما كبيرا وحسدا وأنفاسا حادة؟!
- هل السلفيون معصومون وهل هم فوق النقد لمجرد التسمي بالسلفية أو حتى لمجرد تبني المنهج فعلا؟ وهل شق الصف يعنى الصف الإسلامي عموما أم أن هناك خصوصية للسلفيين اصطلاحا؟!
- هل المسلك الانفرادى للدعوة يفتح أبواب خير على الأمة أم أبواب فتن وفرقة؟!
- هل الإخوان وغيرهم مخاطبون بالدعوة داخلين في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] أم ان هذا خاص
بالعلمانين والليبراليين؟! وهل يحسن محاولة الإصلاح بين المسلمين بالتوافق والمودة والتجاوز عما يمكن التجاوز عنه وهل يدخل الإخوان في ذلك وغيرهم أم أن ذلك خاص بالليبراليين والعلمانيين؟!
- هل مسلك الدعوة مع الإخوان بل ومع المخالفين يتوافق مع قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]؟!
- إذا كان المنهج السلفي ينعقد على الولاء والبراء فيوالي الإنسان بقدر ما فيه من خير، وقد يجتمع فيه ولاء وبراء وخير وشر.. فهل الإخوان خيرهم أكبر أم شرهم؟ وهل هناك قدر مشترك يسمح بالاصطفاف مع العلمانين ضدهم وهل تتحقق من ذلك مصلحة؟!
- هل ما ندرسه ونتدارسه في كتب العلم في الإنصاف مع المخالف كما في كلام شيخ الإسلام عن الهروي وغيره وكما في كلام الذهبى في السير وكلام غيرهما من السلف، بل في كتاب الله عز وجل في الإنصاف حتى مع الكافرين فهل أنصفنا إخواننا؟! وهل من الإنصاف نسب الإنجازات للنفس وعدم رؤية الآخرين في داخل نفس التيار فضلا عن الإخوان؟ وهل للإخوان تاريخ طويل في البذل للدين يسمح بتوليهم أم لا؟! وهل من الإنصاف أن نقصي عن المشهد من كان وقوفهم في الثورة سببا في إتاحة الفرصة للعمل لمن لم يشارك بل وحرض على عدم المشاركة أولا وعدم الاستمرار ثانيا؟!
- هل الغاية تبرر الوسيلة في السياسة أم أن الشرع يُلزِم بتحقيق الغاية النبيلة بالوسيلة المشروعة؟!
- هل الوسيلة الأمثل في إصلاح ما عند الإخوان من خلل هي هدمهم أو تعويقهم كما صرح لي بذلك أحد رموز الدعوة السلفية البارزين قائلا بأن هذا لمصلحتهم لأنهم على خطأ؟!
- لماذا أصبح الكلام عن مساندة الإخوان كأنها تهمة وهل لا بد أن يُنصر الدين من طريق فصيل معين؟ وكيف يفهم التجرد من تصريح المتحدث باسم الحزب أنه لو تركنا الأمر للإخوان فلن يكون هناك مكان لنا بعد أربع سنوات!
- هل ترد النصيحة بانتقاد الآخرين؟ ولقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن من أبغض الكلام إلى الله ان يقول الرجل للرجل اتق الله فيقول عليك بنفسك» (السلسلة الصحيحة:2598)، وهل محاولة توصيف الأمر بغير حقيقته ستصلح من الأمر شيئا؟!
- وإذا كان الإخوان فيهم ما فيهم فما الداعي لرد كل انتقاد باستدعاء مواقف للإخوان فهل أخطاء الآخرين –إن وجدت- تبرر لك الخطأ وأنت صاحب المنهج؟! وهل تقصير الآخرين في النصح للإخوان -على فرض صحة ذلك- تبرر لك رد النصيحة؟!
- هل عدم الاعتراف بالأخطاء يربي جيلا متجردا متواضعا، أم متعصبا متعاليا؟ وهل الخوف من اهتزاز الثقة والسمع والطاعة يبرر التمادي في الخطأ؟!
- هل اتهام الآخرين بالتربص والحسد يربي جيلا سليم القلب يحسن الظن بإخوانه ويلتمس العذر لهم؟!
- هل تقصير الإخوان يعني معالجة ذلك بالاصطفاف مع الصف الإسلامي، أم مع الصف العلماني؟ وأيهما أقرب: حدوث وحدة لتيار إسلامي قوي يمثل ضغطا على من تصدر منه مخالفة أيا من كان، أم أن إحداث الضغط عن طريق الاصطفاف مع أعداء المشروع الإسلامي أفضل -ذلك أنه لا يكلف كلفة التضحية باستقلالية الكيان واستقلالية القرارات فيه-؟!
- هل هناك توكيل حصري للحزب والدعوة بالتصرف في الأمور العامة التي تخص المسلمين؟!
- هل يُطلب ممن له نظر في توحيد الصف الإسلامي أن يقف مكتوف الأيدي، أو أن يصمت على ما يراه يخل بوحدة الصف ويربك المشهد؟!
- هل استمرار هذا المسلك الانفرادى الرافض للنصح المعرض عن المشورة سيؤدى إلى انتشار الدعوة، أم إلى عزلها؟!
- هل هناك رغبة حقيقية في توحيد الصف؟ وهل تصرفات الدعوة تصب في اتجاه توحيد الصف أم توحيد التصرف في المشهد؟! وهل نملك رفاهية الوقت والظروف لمثل هذه الانشقاقات والتصرفات وتقديم المصالح الضيقة؟!
- هل الخلاف سنة كونية أم أمر شرعي بحيث نسعى إلى تضييق دائرته؟!
- هل الحرص ينفع صاحبه أم يضر؟!
- هل يُكتفى في النصيحة بتغريدة هادئة أو إشارة ملمحة؟ وهل الحفاظ على الكيان مقدم على الحفاظ على المنهج خاصة أن هذا الأسلوب لم يفلح إلى الآن في إصلاح أخطاء متزايدة ومشاكل مستمرة وأمراض أصبحت مستعصية أو كادت؟! وإذا كان الحزب قد خرج من رحم الدعوة فهل يمكن التضحية بالأم من أجل الجنين؟!
- هل ننتظر إجابة من متجرد منصف وسعيا من محب مصلح، أم جدالا لا يسمن ولا يغني من جوع؟!
- وأخيرا فقد اكتفيت بالأسئلة وأعرضت عن تفصيل مواقف ذكرتها إجمالا وأخرى أعرضت عن ذكرها بالكلية وإنما أتكلم عن جزء من التيار الإسلامي بغرض النصح والإصلاح، خاصة وأن مشايخ الدعوة السلفية لهم في القلب منزلة وفضلهم لا ينكره أحد، وهم جزء لا يتجزأ ممن حمل هم هذه الدعوة المباركة وعمل على نشرها وكذلك أبناء وشباب الدعوة السلفية فأنا منهم وهم مني، كما أنني من الإخوان والجماعة الإسلامية وسائر المسلمين وهم مني وإن كان للأولين منزلة خاصة وقد أفدت منهم علما في ديني، أسأل الله أن يكون في موازين حسناتهم، ولعل كلماتي هذه أن تكون سببا في الوقوف مع النفس لغرض الإصلاح وما ذلك على الله بعزيز فلست أرجو بها مزيدا من الجدل والأخذ والرد، بل مزيدا من المصارحة والمقاربة والإصلاح ولعل ما يكون حلما اليوم يصبح حقيقة غدا..
- أسأل الله أن يؤلف بين قلوبنا وأن يوحد صفوفنا ويغفر زلاتنا ويلهمنا رشدنا ويسلل سخيمة قلوبنا ويجعلنا بالإسلام يدا على من سوانا ويستعملنا لنصرة دينه وأن يقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الدين.. والله من وراء القصد..