من المعلوم أن للثقافة دورها وتأثيرها البالغ في سيرورة إيلاء التوجيهات والاتجاهات العقلانية للفرد فهي تساعد على إعطاء صورة قيمية للواقع الحياتي المعاش بل قد تعكس أيضا صورة انطباعية وايجابية عن أي فرد أو مجتمع يتحلى بها او ينهجها. من هذا المنطلق يقتضي على الإنسان أن يولي اهتماماً بالغاً إزاء عملية التكميم والتحصيل الثقافي لا سيما في خضم الحياة المعاصرة فقد أصبحت للثقافة أهميتها ومدى فاعليتها وجدوى غائيتها البعدية التي تتجلى في الكل التركيبي الديناميكي المعقد الذي يشتمل على المعارف والأفكار أو العادات والمعتقدات أو القوانين والأخلاق والتقاليد والفلسفة والفنون والأديان التي اكتسبها الإنسان من مجتمعه بوصفه عضواً فيه .
ومن خلال ذلك نستطيع أن نقوم بعملية تكوين وإنتاج وبلورة ما نريد توظيفه من مفاهيم ومضامين ثقافية تتناسق وتتسق مع ما نواجه أو نقابل في حياتنا المعاصرة وهنا تكمن ايضاً أهميتها وفائدتها ووظيفتها في كيفية تفعيل الحلول المواتية لكافة المعضلات والمشكلات الحياتية، وإذا كان الأمر كذلك فعلينا الدأب في عملية التحصيل كما ذكرناه، لأن الإنسان إذا كانت لديه ثقافة تكاملية بحيث يلم شتات المستويات والمعطيات من أفكار ومعارف ورؤى حينئذ يستطيع رسم لنفسه طرائق تساعده على معرفة التخلص من المتاعب والمصاعب التي ربما يواجهها أو يصادفها ضمن حياته بل ومن خلال صيرورة ثقافية عقلانية تكاملية يستطيع الإنسان ان يموضع ذاته ويفرض على الآخرين احترامه لان الإنسان في هذه الحياة أنما يقاس بعقله وبعلمه أي بمدى ثقافته وفكره ومدى اتساع أفقه واطلاعه على النظرة الموضوعية لما يجرى في أروقة الحياة. فنحن إذا أوجدنا العوامل الأساسية آنئذ نستطيع إعطاء صورة قيمية عن أنفسنا وربما نحن نلمس هذا الواقع من قبل المثقفين والمفكرين والباحثين كيف أنهم ينالون القسط الأوفر في كيفية التقدير والاحترام والتبجيل ومن منطلق ذلك يكون التكوين المركزي لذاتية الذات المفكرة (Res Cogitaus ) بحيث ينظر إليها نظرة إعلائية ليست كأي نظرة عاديه كل ذلك بسبب ما استقى واستمد من معارف وعلوم .... الخ.
أن المثقف النخبوي دائماً ما تنحو الأنظار إليه ولعلك أخي العزيز حينما تنتابك مشكلة ما في حياتك فانك دائماً ما تتجه إلى من لديه ثقافةً وفكراً ومعرفةً وتجربةً وخبرةً حتى يزودك من فكرهِ ومعرفتهِ أو من تجربتهِ وخبرتهِ الثقافية والمعرفية أو الفكرية والفلسفية.
وثمة طرائق منهجية تقنية يقتضي على المثقف النخبوي توظيفها في مسار حياته الثقافية وهي :
1ـ البعد عن الأحادية في التحصيل الثقافي، إذ يستحسن أن يفتح المثقف أبواب عقله لكل التيارات الفكرية والمسارات المعرفية والمناهج البحثية، ليكون له منهجه الخاص الذي لم يأت خاصاً بسبب ضيق أفق صاحبه أو ضعف اطلاعه على المناهج والمذاهب الأخرى، بل هو منهجه الذي اختاره بفعل التفاعل والتواصل الثقافي والمعرفي. يقود البعد عن الأحادية في التحصيل الثقافي إلى البعد عن الأحادية في البحث، إذ يسعى المثقف في بحثه إلى دراسة العوامل المتعددة المؤثرة في كل ظاهرة، وقراءة الجوانب المختلفة المتكاملة لها، كي يصل إلى نتائج أقرب إلى الصواب.
2ـ البعد عن اليقينية: فلا يحق للمثقف أن يطمئن إلى ما في ذهنه من أفكار، ولا يجوز له أن يركن إلى ثوابت فكرية أو سياسية أو منهجية، بل عليه أن يحمل نزوعاً دائماً إلى التغيير والنفي، وأن يتحلى بالشك بأفكاره وثوابته كي لا يصبح عبداً لها من جهة، وكي لا يقتلها بتحنيطها وتجميدها من جهة أخرى.
3ـ التحلي بالنزعة النقدية: وذلك بأن يبحث عن الغلط في كل ما هو سائد أو مألوف، وأن يكون ناقداً للجوانب السلبية في كل ما يرى، وناقداً لذاته وفكره ومنهجه بالدرجة الأولى.
ومن خلال هذه النزعة النقدية، يستطيع المثقف أن يقوم بدوره التنويري والتغييري.
4ـ التحلي بالنزعة المستقبلية: وهذه سمة هامة جداً، تجعل المثقف فاعلاً، ومنوراً، ومسهماً في التغيير. فالمثقف الفاعل هو الذي يقرأ الواقع، والتراث، والتجارب، وعينه على المستقبل. فكل قراءة لا تسهم في الوصول إلى ما هو أفضل هي جهد ضائع. وهذا الأفضل نسبي، فقد يكون وقف التدهور في مرحلة، أو التقدم البطيء في مرحلة أخرى، أو التقدم السريع في الظروف المواتية. " الأستاذ عطية مسموح (الثقافة وطرائق التفكير)"
ومن خلال معرفة العناصر الرئيسية الواجب توافرها عند عملية التحصيل الثقافي بالنسبة للمثقف النخبوي نستطيع القيام بسيرورات التثقيف والتثاقف الذاتي المستمر وذلك من خلال المطالعة المركزة وهذا المفهوم يحتاج إلى انقياد تفاعلي حتى يتسنى للإنسان التخلص من ربقة الإبهام والغموض الذي قد يحجب عقله عن المعارف والأفكار والمعارف بشتى مساراتها واتجاهاتها وخاصة في حياتنا المعاصرة فقد بدأت الأفكار والآراء تنتج يوماً بعد يوم والإنسان بحاجة إلى متابعة ومعرفة ما يجري في عالم الثقافة .
ومفهوم الحوار العقلاني ايضاً يكمن في هذا السياق بل لعله العامل والفاعل الأساس الذي يقوم بتكوين وتشكيل ثقافة للإنسان لأنه يفتح فكر الإنسان على وجهات النظر المتقابلة ويوجهه إلى أخطائه لبعض أرائه ويكون فيه تبادل الآراء والمعلومات وذلك من اجل إقناع الإنسان بالفكرة التي يؤمن بها وكيفية طرحها وكيفية طرح السؤال ومعرفة خلفياتها وآفاقها وفي ذلك بناء للثقافة .
أن من يريد انتهاج مفهوم الحوار العقلاني فعليه أن يزاحم أهل الحوار (المثقفين) – الانتليجنسيا - لكي يستطيع استقاء آرائهم وأفكارهم المحضة والصحيحة التي ترشدنا وتوجهنا لنيل مآربنا الحياتية ويمكن لنا بسط وإدراج مفهوم مزاحمة رجال العلم والعلماء لنيل الثقافة العقلانية التي تقوم ببلورة المفاهيم والأفكار وصهرها على شاكلة الدمج والمزج، ولكي يبني الإنسان ثقافة أصيلة فعلية أن يقوم بعلمية تحليل مواقف الشخصيات الثقافية لان ذلك يكشف لنا حقائق هامة من الثقافة ونظرة تحليلية لهي كفيلة بان تكشف لنا تلك الحقائق والرؤى والمثقفون هم بالنسبة لنا مسيرة واحدة تدأب لتحقيق هدف واحد وهو سعادة الذات الانسانيه لذلك فان مواقفهم يجب أن تدرس وتحلل لكي نستفيد منها الدروس ونستخرج منها العبر فهذه المواقف حينما ينظر إليها يستفاد منها في عملية التحصيل والإنتاج الثقافي.
واخيراً وليس آخراً ملامسة الواقع اليومي كلما احتك الإنسان بالواقع ارتقى فكره في عملية التحصيل الثقافي لان الواقع توجد فيه تجارب كثيرة يمر بها الإنسان من خلال ملامسة هذه التجارب الحية يقوم الإنسان بالتحصيل ولذا قيل ( في التجارب علم مستحدث) أي أن التجارب هي عبارة عن علوم كثيرة كنا نجهلها ولكن متى يلمس الإنسان التجارب عندما يلامس الواقع ويحتك فيه والا فان الإنسان البعيد عن مسافة الحياة ولا يحتك بالواقع فانه لا يمر بالتجارب التي تبني ثقافته وفكره وإثراء معلوماته الواقعية. وثمة أمور لا حصر لها تتضمن القابلية لبناء المنهجية الثقافية وذلك عندما تقوم بالبحث عنها في عالم الثقافية .