الخبر البلاغي:
الأصل في الخبر أن يلقي لغرضين هما : فائدة الخبر، ولازم الفائدة، كما عرفنا أن المتكلم في كل منهما يهدف من وراء الخبر إلى اعلام المخاطب شيئا لا يعرفه، سواء أكان هذا الشيء هو مضمون الخبر أو علم المتكلم بمضمونه .وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخبر ليس مقصورا على هذين الغرضين الأصليين ، فالواقع أنه بالإضافة إليهما قد يلقى الخبر لأغراض أخرى بلاغية تفهم من السياق و قرائن الأحوال . و من هذه الأغراض التي يخرج الخبر عن غرضيه الأصليين إليها :
1 ) إظهار الضعف :
و ذلك نحو قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام : ]رب إني وهن العظم مني و اشتعل الرأس شيبا [ و قول الشاعر :
إن الثمانين، وبلغتها، ***** قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
و قول المتنبي في وصف مرضه :
عليل الجسم ممتنع القيام ***** شديد السكر من غير المدام
و قول شاعر مريض يقارن بين حاله و حال آخر معافى من المرض:
الخطى عندك، إذ تقصرها، وثب وقفز
و الخطى عندي إذ وسعها، ضعف و عجز
2 ) الاسترحام و الاستعطاف:
نحو قول إبراهيم بن المهدي مخاطبا المأمون:
أتيت جرما شنيعا ***** و أنت للعفو أهل
فإن عفوت فمن ***** و إن قتلت فعدل
و قول المتنبي و هو في محبسه مستعطفا السلطان :
دعوتك عند انقطاع الرجاء ***** و الموت مني كحبل الوريد
دعوتك لما براني البلاء ***** و أوهن رجلي ثقل الحديد
و قول شاعر أخر:
فمالي حيلة إلا رجائي ***** لعفوك إن عفوت و حسن ظني
يظن الناس بي خيرا و إني ***** لشر الناس إن لم تعف عني
3 ) إظهار التحسر على شيء محبوب :
نحو قول المتنبي في رثاء جدته :
أتاها كتابي بعد يأس و ترحة ***** فماتت سرورا فمت بها غما
حرام على قلبي السرور فإنني ***** أعد الذي به بعدها سما
و قوله في رثاء أبي شجاع فاتك :
الحزن يقلق و التجميل يردع ***** و القلب بينهما عصي طيع
يتنازعان دموع عين مسهد ***** هذا يجئ بها و هذا يرجع !
و قول آخر يرثى عزيزا عليه :
و أيقظت أجفانا و كان لها الكرى ***** و نامت عيون لم تكن قبل تهجع
و قول أبي فراس الحمداني عندما سمع بمرض أمه و هو في الأسر:
عليلة بالشام مفردة ***** بات بأيدي العدا معللها
تمسك أحشاءها على حرق تطفئها و الهموم تشعلها
تسأل عنا الركبان جاهدة ***** بأدمع ما تكاد تمهلها
4 ) المدح :
نحو قول زهير بن أبي سلمى :
و أبيض فياض يداه غمامة ***** على معتفيه ما تغب فواضله
تراه إذا ما جئته متهللا ***** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
و قول المتنبي مادحا سيف الدولة :
أرى ذي ملك مصيره ***** كأنك بحر و الملوك جداول
إذا مطرت منهم و منك سحائب ***** فوابلهم طل و طلك وابل
5 ) الفخر :
نحو قول الفرزدق:
ترى ما سرنا يسيرون خلفنا ***** و إن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
و قول جرير :
إذا غضبت عليك بنو تميم ***** رأيت الناس كلهم غضابا
و لآخر في الفخر بكثرة العدد:
ما تطلع الشمس إلا عند أولنا ***** و لا تغيب إلا عند أخرنا
و للشريف الرضي :
لغير العلى منى القلي و التجنب ***** و لولا العلى ما كنت في العيش أرغب
وقور: فلا الألحان تأسر عزمتي ***** و لا تمكر الصهباء بي حين أثرب
و لا أعرف الفحشاء إلا بوصفها ***** و لا نطق العوراء و القلب مغضب
6 ) الحث على السعي و الجد :
كقول شوقي :
و ما نيل المطالب بالتمني ***** و لكن تؤخذ الدين غلابا
و ما استعصى على قوم منال ***** إذا الإقدام كان لهم ركابا
و قوله :
أعدت الراحة الكبرى لمن تعبا ***** ة فاز بالحق من لم يأله طلبا
و قول ابن نباتة السعدي :
يفوت ضجيع الترهات طلابه ***** و بدنو إلى الحاجات من بات ساعيا