يرى مراقبون فلسطينيون، أن التصعيد الأمني الحاصل في الضفة الغربية يظهر حجم الاحتقان المتصاعد في العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل.
واعتبر المراقبون أن التطورات الأخيرة من شأنها أن تمثل إنذاراً شديد الخطورة بأن استمرار غياب حل عادل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي سيؤدي إلى انفجار للأوضاع عاجلاً أم اجلاً.
وقتل أخيراً جنديان إسرائيليان، وخمسة فلسطينيين منذ استئناف مفاوضات السلام نهاية تموز الماضي، بعد توقف استمر لثلاثة أعوام في أسوأ تدهور أمني حدث منذ أعوام، مع ارتفاع حدة المواجهات بين الجانبين.
ويقول جورج جقمان مدير مؤسسة الدراسات الديمقراطية إن مقتل الجنديين الإسرائيليين "يظهر بوضوح وجود احتقان كبير رغم أن طبيعة هذه الأعمال فردية".
ويضيف جقمان، إنه "من غير المستغرب أن تحصل حوادث من هذا النوع في ظل استمرار الاستيطان وسرقة الأرض الفلسطينية، وعربدة المستوطنين، وبالتالي استمرار وضع كهذا في غياب حل عادل للصراع سيؤدي إلى صراع ميداني بغض النظر عن توقيته".
بيد أن الجيش الإسرائيلي استبعد على لسان الناطق باسمه الجنرال يواف مردخاي، أن تكون حادثتا قتل الجنديين الإسرائيليين "دلالة على تدهور في الوضع الأمني الإسرائيلي".
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن مردخاي قوله، "ننظر إليها على أنها حوادث منفصلة وليست اتجاهاً جديداً".
وبهذا الصدد، استبعد أستاذ الإعلام والعلوم السياسية في جامعة القدس في رام الله، أحمد رفيق عوض، تطور الموقف في الضفة الغربية في الوقت الراهن على الأقل إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.
ودلل عوض على استنتاجه بعدة عوامل، أبرزها غياب الدعم السياسي الفلسطيني الرسمي لفكرة الانتفاضة وافتقادها للحشد والتعبئة الشعبية، عدا استمرار الانقسام الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
كما يعتبر عوض، أن الولايات المتحدة الأميركية "لن تسمح في هذه المرحلة بتفجر الوضع على الساحة الفلسطينية - الإسرائيلية لرغبتها في التركيز على ملفات إقليمية أكثر أهمية مثل سورية وإيران".
ونجحت الإدارة الأميركية أخيراً، في دفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاستئناف مفاوضات السلام بينهما برعايتها، لكنها لم تحرز أي تقدم يبشر بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع الممتد منذ عقود.
وطالب وزراء ومسؤولون إسرائيليون عقب التصعيد الحاصل في الضفة الغربية، بوقف المفاوضات التي تقابل كذلك بانتقادات واسعة من فصائل وأوساط فلسطينية.
وقال عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) إن إسرائيل "هي من تدفع وراء تفجير الأوضاع بممارساتها التي تعدت كافة الخطوط الحمراء".
وأضاف زكي، إن الفلسطينيين ليسوا قلقين على مستقبل مفاوضات السلام "لأنها لم تحقق شيئا".
وحول احتمالات التصعيد الشعبي قال زكي، "شعبنا محصور خلف شدة القهر وقد أعطى للسلام كل الفرص، وفتح له كل البوابات لكن هناك إغلاقاً أمامه من قبل المتطرفين في إسرائيل".
وحسب محللين فقد يمهد اليأس من عدم جدوى المفاوضات إضافة إلى الممارسات الإسرائيلية الميدانية خاصة فيما يتعلق بالاستيطان، لمزيد من التصعيد الشعبي الفلسطيني.
وقال المحلل السياسي من نابلس في الضفة الغربية سامي عنبتاوي، إن "تراكم الضغط على الشعب الفلسطيني يأخذ أبعاداً خطيرة وقد يتحول إلى انفجار أو تمرد شامل".
ويعتبر عنبتاوي، أن الحكومة الإسرائيلية "تبدو معنية بتصعيد الأمور والهروب من استحقاقات السلام مستغلة بذلك الحالة الدولية والإقليمية للانفراد بالفلسطينيين وجرهم لمواجهة غير محسوبة".
وبالنسبة إلى عنبتاوي، فإنه "من المنطقي توقع هبات شعبية فلسطينية متعددة الأشكال بالنظر إلى اليأس من حالة استمرار الاحتلال والحاجة إلى مواجهة المخططات الإسرائيلية".
وامتنعت السلطة الفلسطينية عن التعليق رسميا على حادثتي مقتل الجنديين الإسرائيليين اللتين قوبلتا بإدانة الإدارة الأميركية بوصفها "تزعزع المساعي لخلق مناخ إيجابي" لتحقيق السلام.
ورد وزير الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية رياض المالكي على الانتقادات الأميركية بقوله، إن الجانب الفلسطيني على استعداد "لتوضيح المواقف على الأرض من اعتداءات مستمرة للإسرائيليين".
واعتبر المالكي لإذاعة (صوت فلسطين) الرسمية، أن الإسرائيليين "يحملون القيادة الفلسطينية المسؤولية (عن الأحداث الأخيرة) ونحن لدينا الإجابة على هذه التهديدات خاصة ما يقومون به من اغتيالات في جنين وقلنديا وهدم المنازل".
وقالت الإذاعة الإسرائيلية نقلا عن مصادر في الجيش الإسرائيلي، إن حادثتي قتل الجنديين "لن تؤثرا على علاقة إسرائيل مع السلطة الفلسطينية، وان التنسيق الأمني بين الجانبين مازال مستمرا".
في المقابل، اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على قطاع غزة عملية قتل الجندي الإسرائيلي في الخليل، "ردا طبيعيا على جرائم الاحتلال". وقال سامي أبو زهري الناطق باسم الحركة في بيان تلقت (شينخوا) نسخة عنه، إن "عملية الخليل هي رد طبيعي على جرائم الاحتلال، والعدوان على المسجد الأقصى، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية".
وأضاف أبو زهري، إن العملية "هي دليل على قوة المقاومة وفشل عمليات التنسيق الأمني" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي من غزة مصطفى الصواف، أن الأمور في الضفة الغربية "قد تفلت من عقالها باتجاه تعزيز المقاومة، وربما يتطور الأمر لانتفاضة شاملة".
ويرى الصواف، أن "تراكم الممارسات الإسرائيلية الإجرامية خصوصا إزاء القدس والإحباط السياسي عوامل لا يمكن التقليل من توقع رد فعل شعبي عليها قد يصل الى حد الانفجار الشامل".
وحسب الصواف، فإن "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى "ستكون معنية بدعم المقاومة وتعزيزها نظرا لضرورة ذلك في مواجهة الاحتلال وممارساته وحسب تطور الموقف الميداني".