لم يتوقف طوفان الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة التركية عن تدفقه منذ أن بدأ فى مايو الماضى بـ«ثورة الأشجار» فى ميدان تقسيم ووضع حزب العدالة والتنمية الحاكم فى مأزق سياسى أكثر صعوبة وحرجا طوال 10 سنوات من انفراده بالسلطة، وسرعان ما دخلت ساحة «كاديكوى» على الضفة الآسيوية لمدينة أنطاكيا دائرة العنف والصراع بين الإسلاميين والشارع، عندما اشتعلت مجددا المظاهرات بنزول الآلاف فى تحد لرئيس الوزراء رجب طيب أردوجان، اعتراضا على أحداث «تقسيم» وما شهدته من صدامات دموية بين المتظاهرين وقوات الأمن، انتهت باستخدام الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه للقضاء على بؤرة الاحتجاجات المناهضة للحكومة فى الآونة الأخيرة.
ومثلما فجرت وفاة خالد سعيد فى مصر ومحمد بوعزيزى فى تونس شرارة الربيع العربى، ظهر مشهد قتل الشاب أحمد أتاكان (22 عاما) فى أنطاكيا جنوب البلاد والقريبة من الحدود السورية، حيث فقد حياته أثناء صدامات مع الشرطة، واتهمت عائلته الأمن بتعمد قتله، وهو الاتهام الذى رفضه وزير الداخلية التركى معمر جولر، مستنكرا استغلال وفاته لـ«غايات تحريضية»، إلا أن حالة «أتاكان» صعدت من التظاهرات فى كل أنحاء تركيا، مما أحيا شبح الحراك المناهض للحكومة الذى هز الدولة منذ 3 أشهر.
وحذر المراقبون من أن تطورات المشهد التركى وارتباطها بمستقبل ومصير صعود الإسلاميين واحتفاظهم بالسلطة فى عدة دول تدق ناقوس الخطر وتفتح الباب أمام جولات جديدة تهدد أردوجان وجماعته، وكان استيقاظ الاحتجاجات مجدداً دافعاً قوياً للجوء الحكومة الإسلامية إلى تحرك تكتيكى بإطلاق مشروع ضخم لتعزيز وجوده على مواقع التواصل الاجتماعى، من خلال فريق إعلامى يضم 6 آلاف موظف تحولوا إلى «ميليشيات إعلامية» لإجهاض صور المعارضة على تويتر وفيس بوك، وكشفت صحيفة «ستار» التركية أن خريطة توزيع الميليشيات تعتمد على نشر ممثلين لـ«العدالة والتنمية» فى أكثر من 900 منطقة يوجد بها الحزب، ويعمل الفريق على تحويل المشاعر السلبية من الحزب الحاكم إلى توجهات إيجابية.
ورأت صحيفة «حرييت» أن هذه الخطوة جاءت بعد فترة وجيزة من تلقّى «العدالة والتنمية» هزيمة واضحة فى الفضاء الإلكترونى، عندما قصد متظاهرو «تقسيم» فى مايو الماضى هذه الوسائل لتنظيم احتجاجاتهم المناهضة للحكومة، وبلغت مستويات عالية دفعت «أردوجان» إلى التدخل شخصياً انطلاقاً من «خطر تويتر»، وبدأ حملته ضد المواقع.
واستغلالاً لتورط النظام فى قمع المظاهرات بالقوة تصدرت أحداث «كاديكوى» الصحف العالمية، وكانت فرصة ذهبية لصحيفة «ديلى تليجراف» البريطانية التى سخرت من اتهامات ساقها «أردوجان» ضد الحكومة البريطانية بـ«ازدواجية المعايير» عندما تورطت فى العنف ضد المتظاهرين احتجاجاً على سياسة التقشف، بينما وقع رئيس الوزراء التركى فى نفس الخطأ فى مأزقى «تقسيم» و«كاديكوى».
ورصدت صحيفة «ذى ناشونال» الإماراتية اتهامات تنتظر الشرطة التركية بممارسة العنف والظلم ضد المواطنين، واستندت فى تقريرها إلى شريط فيديو عن واقعة مقتل «أتاكان» والذى حاولت السلطة التركية حذفه تفاديا لسيل انتقادات منظمات حقوق الإنسان، فيما تطرق موقع «أوبن ديموكراسى» الأمريكى إلى المشهد العام من زاوية طائفية، مشيراً إلى أسلوب حكومة أردوجان فى التعامل مع الأقلية العلوية التى لا يزال غير معترف بها فى تركيا.
وبدورها، التقطت وكالة «أسوشيتد برس» طرف الخيط فى الأحداث واعتبرت المظاهرات المشتعلة منذ شهور، والتى استمرت تداعياتها حتى الأيام الأخيرة، «رسالة واضحة» تدلل على استبداد «أردوجان» على نحو متزايد، مما يقتضى منه الاستماع لمعارضيه وبناء جسور التواصل معهم فى ظل الاحتقان المتصاعد وتضخم مطالب الأقليات، ليتبلور مأزق الإسلاميين فى تركيا بين فئة من الشعب تنظر إلى النظام الحالى باعتباره «ديكورا ديمقراطيا» يبطن بداخله مستبدا عنيفا، وضغوط دولية تسعى إلى اصطياد «أخطاء» هذا التيار الدينى كخطوة لإسقاط مشروعه إلى الأبد.