جفَّ الإلهام يا أصدقاء .. بل ابتلعتهُ الأيّام بمعنىً أدق .. وتعودُ أنا هكذا خالية الوفاض .. غالباً لقد عدتُ مجرّدة أكثرَ من ذي قبل .. مرفوعة للأسِّ السّالب .. مسلوبةَ الملامح والحروف ..
طوال ما مرَّ من الزّمن لم أجمع شيئا لم أتقدم شبراً لم أكتب شيئا
في كل موقف مرّ كنتُ أسكب أكوامَ الكلام إلى جانب الرصيف .. تحديداً حيثُ تقلُّ الحافلة أجسادَ الكادحين ، المحبطين ، المتأخرين لما بعد منتصف الليل أملا في راحة يزحفون ورائها وتركض هي .. كنتُ أسكب كلماتي هناك .. في ساحات الدماء حيثُ لا ثمن لها .. كنتُ أزجها في بيوت المعدمين .. في علبة العلكة التي يبيعها طفل الشارع المسكين .. وفي بيوتِ الأيتامِ والمسنين .. كنتُ أسكبها في قصور رؤسائنا العرب .. لتدركَ سذاجتها .. حماقتها .. وما تعنيه وطنيتها ..
كي لا تجد إلى الصبح سبيل .. كي تدركَ تفاهتها ،، كي لا أُشغل بتنميقها عن حقيقة الواقع .. كي لا أندمج في رقتها و أنسى وحشية الشّارع ..
وإلى جانب كل رصيف .. دُحرت كومة من أشجاني ،
أكملت المسير ،، كلما تذكرتهم ، امتلكت قدرةً على إبعادهم أكثر .. كأني شيطانة المنطق..
لمَ يجرحني حبيب .. لم يخذلني صديق .. ربما أنا مَن أفعل .. أنا حين فقدت قدرتي على كتابة تلكَ الموشحات لهم .. وتوقّف قلبي عن سماع صدى الأشياء في جوفه .. أنا حين أقررت ثانويتهم في الحياة .. لأني لم أعد أهفو كالسابق .. حين علمت أن التعلق مُرّ في غيرِ أوانه ..
لأنَّ أوطاني تؤلمني انقطعت .. كي أُربي نفسي على مرمغةِ رأسي بالتراب .. لأجل المفاهيم المندسة التزمت الصمت ..
كي أتشرّب مع الحكمة الحق ..
كل الأشياء من حولنا تحتاجُ الصمت ,, الدعاء ،، ثمَّ قولِ الحق .