همسات أنثى + قلم جديد +
التسجيل : 14/07/2013 المشاركات : 1 الاقامة : الجزائر | |
|
التراويح جمع ترويحية ويجمع أيضا على ترويحات، وهي مشتقة من الراحة، قال الحافظ العسقلاني في فتح الباري: "هي المرة الواحدة من الراحة كتسليمة من السلام. سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين" . وقال العلامة العيني في عمدة القاري: "الترويحة في الأصل اسم للجلسة، وسميت بالترويحة لاستراحة الناس بعد أربع ركعات بالجلسة، ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازا لما في آخرها من الترويحة، ويقال: الترويحة اسم لكل أربع ركعات، وأنها في الأصل إيصال الراحة، وهي الجلسة. ويقال: روحت بالناس، أي: صليت بهم التراويح" .
سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، أما بعد،،،،
فيسرني ويسعدنى أن أضع بين أيديكم هذا البحث المتواضع عن مشروعية صلاة التراويح وعدد ركعاتها،،، راجيا من الله العلي القدير أن يجعله في حيّز القبول،،،،،
التراويح هي صلاة مخصوصة تؤدى في ليالي شهر رمضان، وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ثم تركها خوفا أن تفرض على الأمة، ثم لم يثبت انه صلاها، ولكنه كان يقتصر على صلاة الوتر التى كان يصليها في رمضان وفي غيره، ثم أعاد التراويح عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن معهم من الصحابة في جماعة تحت إمام واحد،،،
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئ في عدد ركعات التراويح،، وقد اختلفت الروايات عن الركعات التى كان الصحابة يصلونها،،، فرُويَ عنهم كلّ من إحدى عشرة، وثلاثة عشرة، وعشرين، وإحدى وعشرين، وثلاثة وعشرين،،، فجمع أئمتنا بين هذه الرويات بأنّ الصحابة صلوا أولا إحدى عشرة ركعة ثم تركوها الى العشرين وأجمعوا عليها، وما زاد على العشرين وتر،،،
وفي الحقيقة انّ أحاديث إحدى عشرة كلها غير صالحة للاحتجاج من عدة وجوه، وقد بينا كل ذلك بإيجاز في هذا الكتيب وفقا لأصول الأحكام الشرعية،،،،
وليس هذا إلا تحقيق وترديد لما ذهب اليه أئمتنا السلف والخلف في مسئلة التراويح، وفقا للأدلة الشرعية والقواعد الأصولية،،، والله يهدينا الى سواء السبيل،،،،
الدكتور عبد الغفـور المليباري
جامعة إحياء السنة الإسلامية
مخدوماباد، كيرالا، الهند
المبحث الأول
مشروعية صلاة التراويح
المبحث الأول
مشروعية صلاة التراويح
فهوم التراويح:
التراويح جمع ترويحية ويجمع أيضا على ترويحات، وهي مشتقة من الراحة، قال الحافظ العسقلاني في فتح الباري: "هي المرة الواحدة من الراحة كتسليمة من السلام. سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين" . وقال العلامة العيني في عمدة القاري: "الترويحة في الأصل اسم للجلسة، وسميت بالترويحة لاستراحة الناس بعد أربع ركعات بالجلسة، ثم سميت كل أربع ركعات ترويحة مجازا لما في آخرها من الترويحة، ويقال: الترويحة اسم لكل أربع ركعات، وأنها في الأصل إيصال الراحة، وهي الجلسة. ويقال: روحت بالناس، أي: صليت بهم التراويح" .
وقد ورد أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتروح بعد أربع ركعات، عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: كانَ رسولُ الله يُصَلِّي أرْبَعَ رَكَعَاتٍ في الليلِ، ثم يَتَرَوَّحُ فأطَالَ حتَّى رَحِمْتُهُ، فقلتُ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي يا رسولَ الله قَدْ غَفَرَ الله لكَ ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، قال: «أفَلاَ أكونُ عبداً شكوراً».. رواه البيهقي في سننه الكبرى، وقال تفرد به المغيرة بن زياد، وليس بالقوي. وقولُها ثم يَتَرَوَّحُ، إنْ ثَبَتَ فهو أصْلٌ في تَرَوُّحِ الإمامِ في صلاةِ التراويحِ .
لفظ التراويح في اصطلاح الشرع لا يطلق إلا على الصلاة المخصوصة التى تؤدى في ليالي شهر رمضان، ويقال لها أيضا قيام رمضان، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غفرَ له ما تقدمَ مِنْ ذنبِه» متفق عليه
الأصل في مشروعية التراويح:
قد وردت أحاديث كثيرة تدل على فضل صلاة التراويح، وقد أجمعت الأمة على مشروعيتها، ولم ينكرها أحد من المسلمين الا الخوارج. قال الامام النووي: "اعلـم أنّ صلاة التراويح سُنَّة بـاتفـاق العلـماء" ، قال السرخسي: "والأمة أجمعت على شرعيتها، ولم ينكرها أحد من أهل العلم إلا الروافض لا بارك الله فيهم" ، وتلحق بهم الفرقة الوهابية بكيرالا، حيث ينكرون صلاة مخصوصة في شهر رمضان، ويقولون إنّ صلاة الوتر هي نفسها صلاة التراويح ، لأنها اذا صليت في شهر رمضان تسمى صلاة التراويح وقيام رمضان، واذا صليت في غير رمضان تسمى قيام الليل.
ولا شك ان التراويح هي صلاة مخصوصة لا تؤدى الا في ليالي شهر رمضان، وقد ثبتت مشروعيتها بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، فاما القول فاصح الراويات فيه هو ما رواه الدارقطني في غرائب مالك عَنْ إِسماعيل بنِ محمدٍ الصَّفار، عَنْ أبي قِلاَبَةَ الرقّاشي، عَنْ بشرِ بنِ عمر، عَنْ مالكٍ، عَنِ الزهريِّ، عن حُمَيد بنِ عبد الرحمن، عَنْ أبي هريرةَ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلّم: « إِنَّ اللَّهَ فرضَ عَلَيكُم صيامَ رمضان، وسَنَنْتُ لَكُم قيامَهُ، فمَنْ صَامَهَ وقامَهُ إِيماناً واحْتِسَاباً غُفرَ لَهُ ما تقدمَ مِنْ ذنبِهِ، قال الامام السبكي، رواه الدراقطني في غرائب مالك ورواته ثقات ، وراه ايضا بهذا الاسناد الصحيح ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار ، وقد روى النسائي وابن ماجة وغيرهما ايضا هذا الحديث عن عبد الرحمن عوف، ولكن عن طريق النضر بن شيبان وهو لين الحديث .
فاما الفعل هو صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس في ثلاث ليالي من شهر رمضان، وقد جعل أكثر الفقهاء هذا الفعل أصلا لصلاة التراويح حيث قالوا: إنّ الأصل في مشروعية التراويح هو ما روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم خَرَجَ ليلةً مِن جَوفِ الليلِ فصلَّى في المسجدِ، وصلَّى رجال بصلاتهِ، فأصْبحَ الناسُ فتَحدَّثوا، فاجتمع أكثرُ منهم، فصلَّى فصلّوا معَهُ، فأصْبحَ الناسُ فتَحدَّثوا فكثُرَ أهلُ المسجدِ منَ الليلةِ الثالثةِ، فخرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم فصُلِّيَ بصلاتهِ، فلمّا كانتِ الليلةُ الرابعةُ عَجَزَ المسجدُ عن أهلهِ حتى خَرَجَ لصلاةِ الصبح، فلمّا قضَىَ الفجر أقبلَ على الناس فتشهدَ ثمَّ قال: أما بعدُ فإِنهُ لم يَخْفَ عليَّ مَكانُكم. ولكِنِّي خَشِيتُ أن تُفرَضَ عليكم فتعجزِوا عنها . فتُوُفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم والأمرُ على ذلكَ" ـ متفق عليه .
تركه صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح خوفا أن تفرض على الامة:
ان النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى التراويح في ثلاثة ايام من شهر رمضان، ثم تركها النبي صلى الله عليه وسلم خوفا أن تفرض على الأمة، ثم لم يثبت أنه صلاها، ولكنه كان يقتصر على صلاة الوتر التى كان يصليها في رمضان وفي غيره، كما قالت عائشة ضي الله عنها لما سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان: "ماكان يَزيدُ في رمضانَ ولافي غيرِهِ على إحدى عشرةَ ركعةً، يُصلِّي أربعاً فلا تَسْألْ عن حُسنِهنَّ وطُولِهنَّ، ثمَّ يصلِّي أربعاً فلا تسألْ عن حُسنهِنَّ وطولِهنَّ، ثم يُصلي ثلاثاً. فقلتُ: يارسولَ الله اتنامُ قبلَ أن تُوتِرَ؟ قال: ياعائشةُ إِنَّ عَينيَّ تَنامانِ، ولايَنَامُ قلبي" ـ رواه البخاري
هذا الحديث يدل على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ماكان يصلى التراويح منفردا ولا جماعة بعد أن تركها خوفا أن تفرض على الامة، ولوكان يصليها لما خفي ذلك على عائشة رضي الله عنها، ولكن ورد في حديث ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم قد صلى التراويح فيما بعد منفردا لا في جماعة : عن ابنِ عباسٍ قالَ: كان النبيُّ يُصَلِّي في شهرِ رمضانَ في غيرِ جماعةٍ بِعِشْرِينَ ركعةً، والوِتْرِ. رواه البيهقي في سننه، وقال: تفرد به أبو شَيْبَةَ إبراهيم بن عثمانَ العَبْسِيُّ الكوفِيُّ، وهو ضَعِيْفٌ .
هذا ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم التراويح إلا رحمة لأمته، كما كان يترك بعض الاعمال خوفا ان تفرض على الامة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن كان رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم- متفق عليه .
صلاة الصحابة التراويح بعد أن تركها النبي صلى الله عليه وسلم :
رغم انّ النبي صلى الله عليه وسلم قد ترك التراويح خوفا أن تفرض على الأمة، انّ الناس كانوا يصلونها فيما بعد منفردين ومتفرقين وما كانوا يصلونها جماعة تحت إمام واحد، ولم يزالوا كذلك حتى الى خلافة عمر رضي الله عنه.
"قال ابن شِهاب فتُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم والناسُ على ذلك، ثمَّ كان الأمرُ على ذلك في خِلافةِ أبي بكر وصدار من خلافة عمرَ رضيَ الله عنهما». – رواه البخاري ، فاعادها عمربن الخطاب كما يدل على ذلك ما رواه البخاري وغيره: عن عبدِ الرحمنِ بن عبدٍ القارِيِّ أنهُ قال: «خرَجتُ معَ عُمرَ بن الخَطّابِ رضيَ الله عنهُ ليلةً في رمضانَ إِلى المسجدِ فإِذا الناسُ أوزاعٌ مُتَفَرِّقونَ يُصلِّي الرجلُ لنَفْسِهِ، ويُصلِّي الرجُلُ فيُصلِّي بصلاتِهِ الرَّهطُ. فقال عمرُ: إِني أرَى لو جَمعتُ هؤلاءِ على قارىٍء واحدٍ لَكانَ أمْثَلَ. ثمَّ عَزمَ فجمَعَهم على أُبيِّ بنِ كعبٍ. ثمَّ خَرَجتُ معهُ ليلةً أُخرى والناسُ يُصَلُّونَ بصلاةِ قارِئهم، قال عمرُ: نِعْمَت البِدْعةُ هذهِ، والتي يَنامونَ عنها أفضَلُ منَ التي يَقومونَ ـ يُريدُ آخرَ الليلِ ـ وكان الناسُ يَقُومونَ أوَّلهَ» - رواه البخاري .
فعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي أعاد جماعة التراويح التى تركها النبي صلى الله عليه وسلم حيث زال المحذور الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الخوف على أن تفرض على الأمة.
المبحث الثاني
عدد ركعات التراويح
المبحث الثاني
عدد ركعات التراويح
1- كم ركعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها:
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في عدد ركعات التراويح. وقد روى ابن حبان في صحيحه وابن خزيمة ايضا في صحيحه عن جابر بن عبد اللَّه قال : صلىّ بنا رَسُولُ اللَّهِ في شهرِ رَمضانَ ثمان رَكعاتٍ وأوتَرَ، هذا الحديث يدل على أنّ التراويح ثمان ركعات، حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس بها، وقد ثبت أنه كان يصلى الوتر إحدى عشرة ركعة في رمضان وفي غيره، فيكون صلاة النبي صلى الله عليه في رمضان مع أكمل الوتر تسعة عشرة ركعة لا غير، ولكن لا يحتج بهذا الحديث لانّ اسناده ضعيف اذ فيه عيسى بن جارية، وقد ضعّـفه أئمة الحديث، حيث قال عنه أبو داود والنسائي: منكر الحديث، وقال ابن معين: عنده مناكير، وذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء .
وما روي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت: "ماكان يَزيدُ في رمضانَ ولافي غيرِهِ على إحدى عشرةَ ركعةً" فهو وارد في الوتر لا في التراويح كما نبينه فيما بعد.
وقد ورد أيضا انه صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، فروي عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم يُصلِّي في رَمضان عشرين ركعة والوتر". رواه الطبراني في الكبير والاوسط، وقال الهيثمي: فيه أبو شيبة إبراهيم وهو ضعيف.. . قال الامام الرافعي في الشرح الكبير "صلاة التراويح عشرون ركعة لما روي أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلّى بالناسِ عشرين ركعة ليلتين فلما كان في الليلة الثالثة اجتمع الناس فلم يخرج اليهم ثم قال من الغد خشيت أن تفرض عليكم فلا تطيقونها" ، فاحتج الامام الرافعي بهذا الحديث على أن التراويح عشرون ركعة، ولكنه لم يذكر سند الحديث ولا راويه،، فلا نستطيع ان نعرف صحة هذا الحديث حتى نحتج به،،،، ولعله ثبت عنده صحة هذا الحديث حيث احتج به،،، لأنّ الحديث الضعيف لا يحتج به خصوصا عند الشافعية،،، وقد قال الامام الشافعي" اذا صح الحديث فهو مذهبي".
وبالجملة انه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئ في عدد ركعات التراويح،،، والاحاديث الواردة فيها كلها ضعيفة، فلا سبيل لنا الى معرفة عدد ركعاتها إلا أن ننظر الى فعل عمر بن الخطاب ومن معه من الصحابة حيث قاموا باعادة جماعة التراويح التى تركها النبي صلى الله عليه وسلم خوفا ان تفرض على الأمة،، فكم ركعة كانوا يصلونها؟
كم ركعة كان الصحابة يصلونها:
ولعلهم كانوا يصلون أولا إحدى عشرة ركعة كما في الحديث الصحيح الذي رواه الامام مالك في الموطأ : "عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ يُوسُفَ ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيد، أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيماً الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. قَالَ: وَقَدْ كَانَ الْقَارِىءُ يَقْرَأُ بِالْمِئتينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلاَّ فِي بُزُوغِ الْفَجْرِ ، هذا كان في أول الامر ، ثم صلوا عشرين ركعة وأجمعوا عليها، وهناك أحاديث كثيرة تدل على أنهم كانوا يصلون عشرين ركعة، قال الامام النووي: احتج أصحابنا بما رواه البيهقي وغيره بالإسناد الصحيح عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: «كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، وكانوا يقومون بالمائتين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام» وعن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بثلاث وعشرين ركعة، رواه مالك في «الموطأ» عن يزيد بن رومان ورواه البيهقي، لكنه مرسل، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر، قال البيهقي: يجمع بين الروايتين بأنهم كانوا يقومون بعشرين ركعة ويوترون بثلاث، وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه أيضاً قيام رمضان بعشرين ركعة" .
ولا شك انّ ما رواه البيهقي عن سائب بن يزيد قال: كانوا يقومون الخ. حديث صحيح صالح للاحتجاج، وأما ما رواه الامام مالك في الموطأ والبيهقي في سننه عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون الخ. أيضا صالح للاحتجاج وان كان مرسلا. لأنّ المرسل هوما رواه التابعي بدون ذكر الصحابي الذي أخذ عنه الحديث، وهو حجة مطلقا عند الامام ابي حنيفة ومالك وأحمد في أشهر الروايتين عنه ، وأما عند الشافعي أيضا حجة اذا توفر فيه أي واحد من الشروط الثلاثة: (1) اذا جاء من وجه آخر ولو مرسلا. (2) اذا قال به أي واحد من الصحابي (3) اذا أفتى بمقتضاه كثير من العلماء كما نص على ذلك في رسالته ، فهذا المرسل حجة بدون مدافع حيث توفرت فيه جميع الشروط السابقة فضلا عن واحد منها، حيث جاء مسندا من وجه آخر كما في الحديث السابق عن سائب بن يزيد، وعمل بمقتضاه الصحابة رضي الله عنهم، وأفتى به كثير من العلماء بل أجمع عليه المسلمون فيما بعد. وأيضا قد جاء بمقتضاه عديد من المراسل من وجوه أخرى ومنها: ما أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمر رجلاً يصلي بهم عشرين ركعة . ولا شك ان رجاله ثقات، لكنه مرسل لانّ يحيى بن سعيد الأنصاري لم يدرك عمر رضي الله تعالى عنه. ومع ذلك انّ هذا المرسل أيضا حجة حيث توفرت فيه جميع الشروط السابقة.
وأيضا قد روى عبد الرزاق عن الأسلمي عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن السائب بن يزيد قال: كنا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر، وكان القيام على عهد عمر ثلاثة وعشرين ركعة ، هذا الحديث ايضا منقطع لأنّ الحارث بن عبد الرحمن بن ابي ذياب لم يدرك السائب بن يزيد، ولكن قد ورد متصلا في وجه آخر صحيحا، وذلك ما رواه البيهقي في سننه الكبرى قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن فَنْجُوَيْهِ الدِّيْنَوَرِيُّ بالدَامَغَانِ ثنا أحمد بن محمد بن إسحاقَ السُّنِّيُّ أنبأ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغويُ ثنا علي بن الجَعْدِ أنبأ ابن أبي ذئب عن يزيدَ ابنِ حصَيْفَةَ عن السائبِ بنِ يزيدَ قالَ: كانُوا يقومونَ على عهدِ عُمُرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه في شهرِ رمضانَ بعشرينَ ركعةً قال: وكانُوا يقرءُونَ بالمِئِيْنَ، وكانوا يَتَوَكَّؤُنَ على عِصِيِّهِمْ في عهدِ عثمانَ بنِ عفانَ رضي الله عنه من شدَّةِ القيامِ " فيكون للحديث المنقطع السابق ايضا حكم المسند الصحيح حيث جاء مسندا صحيحا من وجه آخر .
وقد روي عن عديد من الصحابة انهم كانوا يصلون التراويح عشرين ركعة، فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن أبي مليكة انه كان يصلي بالناس في رمضان عشرين ركعة ، وروى أيضا عن عبد العزيز بن رفيع قال: كان أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويوتر بثلاث . ورى البيهقي عن ابي الخَصِيبِ قال: كان يؤمنا سويدُ بنُ غَفَلَةَ في رمضانَ، فيصلِّي خمسَ ترويحاتٍ عشرينَ ركعةً. وروى ايضا عن شُتَيْرِ بنِ شَكَلٍ وكانَ من أصحابِ عَلِيَ رضي الله عنه أنهُ كانَ يَؤُمُّهُم في شهرِ رمضانَ بعشرينَ ركعةً، ويوتِرُ بثلاثٍ .
فكان الصحابة يصلون أولا احدى عشرة ركعة ثم صلوا عشرين ركعة والوتر، ثم استقروا واجمعوا عليها، وقال الامام السبكي: "لعلهم في وقت اختاروا تطويل القيام على عدد الركعات جعلوها احدى عشرة وفي وقت اختاروا عدد الركعات جعلوها عشرين، وقد استقر العمل على هذا ، قال البيهقي: " يمكن الجمعُ بينَ الروايتينِ فإنَّهُم كانُوا يقومونَ بإحْدَى عَشْرَةَ، ثم كانُوا يقومونَ بعشرينَ، ويوترونَ بثلاثٍ ، وقال العدوي من المالكية: إنّ الإحدى عشرة كانت مبدأ الأمر، ثم انتقل إلى العشرين ولذلك قال ابن حبيب : رجع عمر إلى ثلاثة وعشرين ركعة ، قال العيني من الحنفية: "قال شيخنا: هذا كان من فعل عمر أولاً، ثم نقلهم إلى ثلاث وعشرين" ففهمنا من هذا ان صلاة التروايح باحدى عشرة ركعة هو فعل تركه الصحابة وأجمعوا على تركه، وكذلك أجمعوا أيضا فيما بعد على انّ التراويح عشرون ركعة.
إجماع الصحابة على العشرين:
والدليل على إجماع الصحابة على العشرين هو صيغة الحديث نفسها، لأنّ قول سائب بن يزيد " كانوا يقومون في عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة"، وقول يزيد بن رومان"كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب الخ.. " يدل علىاجماع الصحابة على العشرين، لانّ الاصوليين قد حققوا انّ قول الصحابي "كانوا يفعلون ذلك في عهد كذا" هو صيغة تدل على الاجماع، وقال ابن حزم في كتاب الاحكام في أصول الاحكام: " قول الصحابي: كنا نفعل كذا وكانوا يفعلون عند الأكثرين محمول على فعل الجماعة دون بعضهم خلافاً لبعض الأصوليين ويدل على مذهب الأكثرين أنّ الظاهر من الصحابي أنه إنما أورد ذلك في معرض الاحتجاج وإنما يكون ذلك حجة إن كان ما نقله مستنداً إلى فعل الجميع لأنّ فعل البعض لا يكون حجة على البعض الآخر ولا على غيرهم . ففهمنا من هذا أنّ الصحابة قد أجمعوا على العشرين بعد اجماعهم على ترك احدى عشرة، قال ابن عبد البر: "إنّ العشرين هو الصحيح عن أبي بن كعب من غير خلاف من الصحابة" . وقال الشيخ ابن تيمية: "إنه قد ثبت أنّ أبيّ بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة في قيام رمضان، ويوتر بثلاث. فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة؛ لأنه أقامه بين المهاجرين والأنصار، ولم ينكره منكر" .
هذا ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يقول بشئ تركه الصحابة وأجمعوا على تركه، ولذا لم يجترئ أحد من الائمة المجتهدين أن يقول إنّ ركعات التراويح ثمانية او احدى عشرة، ولعل هذا هو السبب في أنّ الامام مالكا الذي روى "احدى عشرة"، في الموطأ لم يستدل به ولم يقل بمقتضاه، والامام الشافعي ايضا اطلع على هذا الحديث وحفظه من صغر سنه حيث حفظ الموطا وأخذه من الامام مالك مباشرة، ومع ذلك لم يستدل به، وان كان هذا الحديث صالحا للاستدلال لاحتج به الامام الشافعي لانّ مذهبه هو " اذا صح الحديث فهو مذهبي"، مع انّ اسناد هذا الحديث في غاية الصحة، وعالي الاسناد، لأنّ مالكا هو امام دار الهحرة، يرويه عن محمد بن يوسف وهو من رجال الصحيحين وتابعي، وهو يرويه عن السائب بن يزيد وهو صحابي، والامام احمد ايضا اطلع على هذا الحديث لانه هو من تلاميذ الامام الشافعي واخذ عنه روايات مالك وغيرها، ومع ذلك لم يحتج بهذا الحديث، ولم يقل أحد منهم أنّ ركعات التراويح ثمانية او احدى عشرة.
عدم صلاحية الاحتجاج باحاديث "إحدى عشرة"
وقد ذكرنا أنّ الصحابة رضي الله عنهم صلوا أولا إحدى عشرة ركعة ثم تركوها الى العشرين وأجمعوا عليها. هذا على فرض صلاحية الاستدلال بأحاديث"إحدى عشرة"، ولكن عند التحقيق لا يصح الاستدلال بها. فالحديث الذي يدل على أنّ عمر بن الخطاب أمر أبي بن كعب وتميمي الدرا ي باحدى عشرة ركعة، لا يكون صالحا للاحتجاج أبدا، وذلك أنه لا يدخل في جملة الأدلة الشرعية الأربعة، وهي الكتاب، وسنة رسول الله، والاجماع، والقياس، لانّ هذا الحديث لا يدل الا على أمر من عمر بن الخطاب ورأيه في هذا الشأن، ورأي الصحابي الواحد ومذهبه لا يكون حجة على غيره من المجتهدين كما حققه الأصوليون . ولكن هناك رواية أخرى باحدى عشرة تدل على صيغة الاجماع هو ما رواه سعيد بن منصور في سننه قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثني محمد بن يوسف سمعت السائب بن يزيد يقول: كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإحدى عشرة ركعة. وهذه الرواية أيضا لا يصح الاستدلال بها، لانها عن طريق محمد بن يوسف، فقد اضطربت وتعارضت الروايات عنه، حيث رويت عنه أيضا إحدى وعشرين وثلاثة عشرة ، فقد روى عبد الرزاق في مصنفه باسناد صحيح جدا عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد: أنّ عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب، على تميم الداري، على إحدى وعشرين ركعة ، وقد أخرج محمد بن نصر في قيام الليل من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن يوسف عن جده السائب بن يزيد قال: كنا نصلي في زمن عمر رضي الله عنه في رمضان ثلاث عشرة ركعة، قال ابن إسحق: هذا أثبت ماسمعت في ذلك ، فاضطربت وتعارضت الروايات عن محمد بن يوسف حيث رويت عنه مرة إحدى عشرة ومرة إحدى وعشرين ومرة أخرى ثلاثة عشرة، فلا يتابع حديثه ولا يحتج به في عدد ركعات التراويح. وقال ابن الصلاح: "الاضطراب موجب ضعف الحديث، لإشعاره بأنه لم يضبط" ومن القواعد المتفق عليها " اذا تعارضا تساقطا".
وأيضا أن كثرة الروايات عن السائب بن يزيد بالصيغة التى تدل على اجماع الصحابة على العشرين تدل على رجحانية العشرين وعلى عدم صلاحية الاحتجاج باحدى عشرة، لأنه ليس هناك عن سائب بن يزيد الا روايتين إثنتين باحدى عشرة، فالأول ما رواه الامام مالك في الموطأ، وقد ذكرنا انّ رواية الامام مالك باحدى عشرة لا يصح الاحتحاج بها حيث لا تدل على إجماع الصحابة. والثاني ما رواه سعيد بن منصور، وهو الفرد الوحيد الذي يدل على إجماع الصحابة على إحدى عشرة، إسناده صحيح لكنه شاذ، لانه مخالف لما رواه الثقات عن السائب بن يزيد باجماع الصحابة على العشرين. فلا يصح الاحتجاح ايضا بهذا الحديث لانه شاذ، والشاذ لا يعتبر صحيحا، لانّ الصحيح: هو المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا، ولا معللاً. هذا وقد ذكرنا انه عن طريق محمد بن يوسف وقد اضطربت الروايات عنه، والاضطراب يوجب الضعف.
هذا وان سلمنا صحة الاحتجاج باحدى عشرة قلنا انها كانت في أول الامر، ثم تركوها الى العشرين كما بيناه بناء على ما قاله الامام البيهقي وغيره من الائمة. وإن سأل سائل: لماذا لا يجوز ان يكون بالعكس؟ اي بان الصحابة أولا صلوا التراويح عشرين ركعة ثم تركوها الى احدى عشرة، اقول: اتفاق الائمة على ترك الاحتجاج بحديث احدى عشرة حيث لم يقل احد منهم بمقتضاه يدل على انّ المتروك هو احدى عشرة لا العشرون.
الآراء المختلفة في عدد ركعات التراويح
قد أجمع الصحابة والائمة المجتهدون كلهم على أن التروايح ليست بثمانية ولا باحدى عشرة، ولم يجترئ أحد من الائمة المجتهدين ان يقول بما تركعه الصحابة، ولكن اختلفوا في أول الامر- بعد اتفاقهم على ان ركعات التروايح ليست بثمانية ولا باحدى عشرة- هل يجوز الزيادة عليها، فاختلفوا على عدة أقوال. وقال الترمذي: اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلمِ في قِيَامِ رَمَضَانَ، فَرَأَىَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَى وأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الوِتْرِ، وهُوَ قَوْلُ أَهْلِ المَدِينَةِ، والعَمَلُ على هذَا عِنْدَهُمْ بالمَديِنَةِ. وأَكْثَرُ أهْلِ العِلمِ على ما رُوِيَ عن عليٍّ وعُمر وغَيْرِهِمَا مِنْ أَصحابِ النبيِّ عِشْرِينَ رَكْعَةً. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وابنِ المُبَارَكِ والشَّافِعيِّ رحمه الله. وقَالَ الشَّافِعيُّ: وهَكَذَا أدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ، يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً. وقال أحْمَدُ : رُوِيَ في هَذَا ألْوانٌ ولم يَقْضِ فيهِ بَشيءٍ، وقال إسحَاقُ بل نخْتَارُ إِحْدَى وأرْبَعِينَ رَكْعَةً عَلَى ما رُوِيَ عن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ وقال الامام النووي: "مذهبنا أنها عشرون ركعة بعشر تسليمات غير الوتر؛ وذلك خمس ترويحات والترويحة أربع ركعات بتسليمتين، هذا مذهبنا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وداود وغيرهم، ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء. وحكي أن الأسود بن مزيد كان يقوم بأربعين ركعة ويوتر بسبع. وقال مالك: التراويح تسع ترويحات وهي ست وثلاثون ركعة غير الوتر هكذا كان الخلاف في عدد ركعات التراويح في أول الامر، ولا شك ان هذه الخلافات كلها في أكثر من العشرين، وقد روي أيضا عن البعض أقل من العشرين أيضا، وقد استوعب العيني في عمدة القاري هذه الحكايات كلها .
الاجماع بعد تدوين الفقه والحديث:
ولا شك ان هذه الحكايات لا اثرلها بعد ظهور اجماع الصحابة على العشرين، ولعل المخالفين من العلماء لم يطلعوا على إجماع الصحابة، او لعل بعضهم رجعوا منها فيما بعد، كما رجع الامام مالك. وعلى كل حال لم يرو عن أحد منهم بان التراويح هي ثمان ركعات او احدى عشرة ركعة، الا ما روي عن مالك انه اختار لنفسه ثمانية، والا ما روي عن ابي بكر العربي، أما الامام مالك قد رجع أخيرا الى العشرين كما نبينه فيما بعد، فاما ابو بكر العربي لا أثر لقوله، لانه ليس بمجتهد، بل هو مالكي يقلد مذهب الامام مالك رحمه الله، فلا يقبل منه الا نقله عن مذهب الامام مالك.
وهذه الخلافات كلها بعد اتفاقهم على انها ليست بثمانية او باحدى عشرة، وكان ذلك قبل تدوين الفقه والحديث، ثم استقر الامر على العشرين في مشارق الارض ومغاربها، وان كتب المذاهب الاربعة كلها تثبت الآن انّ عدد ركعات التراويح هو العشرون وقد اجمع الائمة المجتهدون الأربعة وغيرهم على انّ التراويح هو عشرون ركعة، فاما قول مالك انها ثمانية او ست وثلاثين هو قوله القديم الذي رجع عنه، فعمل المالكية الآن بالعشرين فقط، وفي شرح رسالة القرواني وغيره من كتب المالكية: التراويح عشرون ركعة، وعليه العمل الآن في سائر الامصار ، وقال ابن رشد القرطبي ناقلا آراء المذاهب الفقهية في عدد ركعات التراويح:" اختلفوا في المختار من عدد الركعات التي يقوم بها الناس في رمضان، فاختار مالك في أحد قوليه ، و أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، وداود، القيام بعشرين ركعة سوى الوتر. وذكر ابن القاسم عن مالك أنه كان يستحسن ستاً وثلاثين ركعة، والوتر ثلاث. وسبب اختلافهم: اختلاف النقل في ذلك، وذلك أن مالكاً روى عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة وخرج ابن أبي شيبة عن داود ابن قيس قال: أدركت الناس بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز، وأبان بن عثمان يصلون ستاً وثلاثين ركعة، ويوترون بثلاث وذكر ابن القاسم عن مالك أنه الأمر القديم: يعني القيام بست وثلاثين ركعة" ، وقال ابن قدامة الحنبلي: "والمختار عند أبي عبد الله رحمه الله فيها: عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي ، وقال مالك : ستة وثلاثون، وزعم أنه الأمر القديم" . هكذا قد أجمع الآئمة الاربعة بل المسلمون كلهم من بعدهم في مشارق الارض ومغاربها على ان عدد ركعات التراويح هو العشرون فقط لا فوقها ولا تحتها. وحتى الآن في الحرمين الشريفين يصلون عشرين ركعة، وفي كيرالا ايضا كان الناس كلهم يصلون عشرين ركعة حتى يأتيها الفرقة الوهابية هدفا للتفرقة بين المسلمين، فطريق المسلمين هو صلاة الترويح بعشرين ركعة، نحن أهل السنة والجماعة نسلك في هذا الطريق ونتمسك به، واذا انعقد الاجماع بين المسلمين في أمر لا يجوز لاحد ان يقول بمقابله ولو باستدلال بالحديث الصحيح، لان الاجماع مقدم عليه باتفاق الائمة، لقوله صلى الله عليه وسلم،((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً}, وقال الشيخ ابن تيمية: "هذه «الآية» تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة لمخالفة الرسول، وان كل ما أجمعوا عليه فلا بد أن يكون فيه نص عن الرسول؛ فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع وبانتفاء المنازع من المؤمنين؛ فإنها مما بين الله فيه الهدى، ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر، كما يكفـر مخالف النص البين"
مستند الاجماع:
هذا وكما أشار الشيخ ابن تيمية وكما أثبته جميع الاصوليين ان الاجماع لا ينعقد الا بنص ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا النص هو مستند الاجماع، ومستند الاجماع ربما لا ينقل الينا إكتفاء بالاجماع، حيث انعقد الاجماع فلا حاجة الى تتبع النص الذي هو دليل الاجماع ومستنده، لانّ الاجماع هو الاقوى دلالة من النص، وهذا النص المستند لا بد ان يكون ثابتا بدلالة قطعية، ولكن ربما لا يصل الينا الا بأسانيد ضعيفة، لان النص الصحيح يكون ضعيفا اذا رواه الضعفاء، فيكون ضعيفا فيما بعد، وذلك كما في مسألة عدد ركعات التراويح، لاننا لا نشك أبدا في انّ الصحابة والائمة لا يتركون الثمانية ولا يجمعون فيما بعد على العشرين الا لدليل ثابت عندهم، ولا يجب ان يصل الينا هذا الدليل، ولكن رويت إلينا أحاديث ضعيفة تدل على ان النبي صلى لله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة كما أسلفناه.
ما ذا قالت عائشة رضي الله عنها في صلاة التراويح؟
عن أبي سَلمةَ بنِ عبدِ الرحمن أنهُ سألَ عائشة رضيَ اللهُ عنها : كيفَ كانت صلاةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلّم في رمضانَ ؟ قالت: «ما كان يَزيد في رمضانَ ولا غيره على إحدىَ عشرةَ ركعة: يُصلِّي أربعَ ركعاتٍ فلا تسألْ عن حُسِنهنَّ وطُولهنّ، ثم أربعاً فلا تسألْ عن حُسنِهنَّ وطولهن، ثم يُصلِّي ثلاثاً. فقلتُ: يا رسولَ اللهِ تَنامُ قبلَ أن تُوتِرَ ؟ قال: تَنامُ عيني ولا يَنام قلبي».- رواه البخاري
قد استدل بعض المخالفين بهذا الحديث على ان ركعات التراويح ثمانية او احدى عشرة، ولكن هذا الاستدلال باطل، لان هذا الحديث ليس المراد به التراويح، كما يدل لفظ "رمضانَ ولا غيره"، لان التراويح هي صلاة مختصة لا تفعل الا في رمضان، فاما ما يفعل في رمضان وفي غير رمضان لا يكون تراويح أبدا، فان كان هذا الحديث في التراويح لا بد من إقامة صلاة التراويح في غير رمضان أيضا، ولم يفعله حتى الحين احد من المسلمين، وأيضا لم يقل أحد من الائمة المجتهدين أن عدد ركعات التراويح ثمانية مستدلين بهذا الحديث، بل انعقد اجماع الائمة على ان عدد ركعات التراويح عشرون لا غير. فلا بد ان نفهم معنى هذا الحديث كما أفهمنا أئمتنا. فقال معظم أئمتنا أن المراد بهذا الحديث هو الوتر لان الوتر سنة مؤكدة في كل ليلة، وأكملها احدى عشر ركعة، قال الامام النووي: "الوتر أكثره إحدى عشرة ركعة لما روت عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلّم: كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر فيها بواحدة» والوتر سنة في رمضان وفي غير رمضان. فهذا الحديث دليل لنا في عدد ركعات الوتر، حيث احتج الفقهاء بهذا الحديث لاثبات عدد ركعات الوتر فقالوا: َالوتر أَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً لِلْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ وَهِيَ أَعْلَمُ بِحَالِهِ مِنْ غَيْرِهَا [مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً] فالحديث يحتج به في عدد ركعات الوتر لا في عدد ركعات التراويح.
وان سلمنا ان هذا الحديث وارد في ركعات التراويح – كما حمله بعض العلماء- فلا يصح ايضا الاستدلال بهذا الحديث على ان ركعات التراويح ثمانية او احدى عشرة، لانه خبر واحد، وخبر الواحد لا يحتج به اذا كان مخالفا للاجماع بإتفاق العلماء، حيث انعقد الاجماع على انها ليست بثمانية ولا باحدى عشرة، حيث لم يقل بهما احد من الائمة المجتهدين، بل انعقد الاجماع فيما بعد على العشرين كما أسلفناه.
فاما دليلنا في عدد ركعات التراويح هو إجماع الصحابة والائمة بعدهم كما بيناه، لا هذا الحديث وغيره. وقد يستدل في اثبات ان الحديث وارد في التراويح بان الامام البخاري اورده في كتاب صلاة التراويح، فلعل مراد البخاري بإيراد هذا الحديث اثبات ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل التراويح بعد ما تركها خوفا ان تفرض على الامة، حيث اورده عقب الحديث الوارد في تركه صلى الله عليه وسلم التراويح خوفا ان تفرض على الامة. "عن عروة أنَّ عائشةَ رضيَ الله عنها أخبرَتْهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم خَرَجَ ليلةً مِن جَوفِ الليلِ فصلَّى في المسجدِ، وصلَّى رجال بصلاتهِ، فأصْبحَ الناسُ فتَحدَّثوا، فاجتمع أكثرُ منهم، فصلَّى فصلّوا معَهُ، فأصْبحَ الناسُ فتَحدَّثوا فكثُرَ أهلُ المسجدِ منَ الليلةِ الثالثةِ، فخرَجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم فصُلِّيَ بصلاتهِ، فلمّا كانتِ الليلةُ الرابعةُ عَجَزَ المسجدُ عن أهلهِ حتى خَرَجَ لصلاةِ الصبح، فلمّا قضَىَ الفجر أقبلَ على الناس فتشهدَ ثمَّ قال: أما بعدُ فإِنهُ لم يَخْفَ عليَّ مَكانُكم. ولكِنِّي خَشِيتُ أن تُفرَضَ عليكم فتعجزِوا عنها . فتُوُفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم والأمرُ على ذلكَ ثم اورد البخاري حديث عن أبي سَلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ أنهُ: «سألَ عائشةَ رَضيَ الله عنها: كيف كانت صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم في رمضانَ؟ فقالت: ماكان يَزيدُ في رمضانَ ولافي غيرِهِ على إحدى عشرةَ ركعةً، يُصلِّي أربعاً فلا تَسْألْ عن حُسنِهنَّ وطُولِهنَّ، ثمَّ يصلِّي أربعاً فلا تسألْ عن حُسنهِنَّ وطولِهنَّ، ثم يُصلي ثلاثاً. فقلتُ: يارسولَ الله أتَنامُ قبلَ أن تُوتِرَ؟ قال: ياعائشةُ إِنَّ عَينيَّ تَنامانِ، ولايَنَامُ قلبي»
فهذا الحديث وارد في الوتر، لا في التراويح، يعنى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الوتر احدى عشر ركعة في رمضان وغيره، فاما التراويح المختصة في رمضان لم يثبت أن النبي كان يصليها بعدما تركها خوفا ان تفرض على الامة، فاما الوتر فقد ثبت انه صلى الله عليه وسلم كان يصليه في كل ليلة، سواء كان في رمضان وفي غير رمضان، كما يدل على ذلك الاحاديث الواردة في صلاة الوتر: وفي البخاري في باب الوتر عن عائشة انها قالت: «أَن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصلي إِحدى عشرةَ ركعةً كانت تلكَ صلاتَهُ ـ تَعني بالليلِ ـ فيَسجُدُ السجدةَ مِن ذلكَ قَدرَ ما يقرأُ أحدُكم خمسينَ آيةً قبلَ أن يَرفعَ رأْسَةُ، ويركعُ رَكعتَينِ قبلَ صلاةِ الفجرِ، ثمَّ يَضطَجعُ على شِقَّهِ الأيمنِ حتى يأْتيَهُ المؤذّنُ للصلاةِ»
وعن ابنَ عباسٍ: أنه باتَ عندَ ميمونةَ ـ وهيَ خالتهُ ـ فاضطَجعتُ في عَرضِ وِسادةٍ ـ واضطَجعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم وأهلهُ في طولِها، فنامَ حتى انتصَفَ الليلُ أو قريباً منه، فاستيقظَ يَمسحُ النومَ عن وَجههِ ثمَّ قرأ عشرَ آياتٍ من آلِ عِمرانَ، ثمَّ قامَ، رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلّم إِلى شَنٍّ مُعلَّقةٍ فتوضَّأَ فأَحسنَ الوُضوءَ، ثمَّ قامَ يُصلَّي، فصنَعتُ مِثلهُ، فقمتُ إِلى جَنبهِ، فوضعَ يدَهُ الُيمنى عَلَى رأْسي وأخذ بأُذُني يَفتِلُها، ثمَّ صلَّى رَكعتَينِ، ثمَّ رَكعتَينِ، ثمَّ ركعتينِ، ثمَّ ركعتينِ ثمَّ ركعتين ثمَّ ركعتينِ ثمَّ أوترَ. ثمَّ اضطَجعَ حتى جاءَهُ المؤذِّنُ فقام فصلَّى ركعتين، ثمَّ خرجَ فصلَّى الصبحَ»
ففهمنا من هذا " ان احدى عشرة " التى ذكرها عائشة هو وتر لا غير، فاما التروايح فلم يثبت كم كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم، كما انه لم يثبت انه كان يصليها بعدما تركها خوفا ان تفرض على الائمة، بل اعادها عمر بن الخطاب ومن معهم من الصحابة في جماعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فلا سيبل لنا الى معرفة عدد ركعات التراويح والمسائل التى تتعلق بها الا أن ننظر الى فعل عمر بن الخطاب ومن معه من الصحابة. ولذا أثبت أئمتنا مسائل التراويح كلها بفعل الصحابة وإجماعهم لا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله. ولذا قال الامام السيوطي في الحاوي للفتاوى: "ومن طالع كتب المذهب خصوصاً شرح المهذب ورأى تصرفه وتعليله في مسائلها كقراءتها ووقتها وسن الجماعة فيها بفعل الصحابة وإجماعهم علم علم اليقين أنه لو كان فيها خبر مرفوع لاحتج به" .
-------------
خلاصة البحث
1- صلاة التراويح لا تؤدى الا في شهر رمضان باتفاق المسلمين
2- لم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح بعدما تركها خوفا ان تفرض على الامة
3- لم يثبت عدد ركعات التراويح من فعله صلى الله عليه وسلم ولا من قوله
4- لاسبيل الى معرفة عدد ركعاتها إلا النظر الى فعل عمر بن الخطاب ومن معهم من الصحابة
5- كان الصحابة أولا يصلونها احدى عشرة ركعة ثم تركوها الى العشرين واجمعوا عليها
6- ولم يجترئ احد من الائمة على ان يقول بما تركه الصحابة اي ان التراويح ثمان ركعات او احدى عشرة ركعة. أحاديث إحدى عشرة كلها عير صالحة للاحتجاج
7- بعد تدوين الففه والحديث اجمع المسلمون في مشارق الارض ومغاربها على ان التراويح عشرون ركعة
8- دليلنا في عدد ركعات التراويح هو فعل الصحابة واجماعهم لا الخبر المرفوع.
9- لا يعتد باي قول بعد انعقاد الاجماع ولا يجوز لاي واحد الخروج عن الاجماع ولو باستدلال بالحديث الصحيح
10- قول عائشة رضي الله عنها " ما كان يزيد في رمضان وغيره" وارد في الوتر لا في التراويح، وان سلمنا انه وارد في التراويح فلا يجوز به الاستدلال ايضا لانه خبر واحد لا يقبل مقابل الاجماع.
المصادر والمراجع
صحيح البخاري
صحيح مسلم
الجامع الصحيح للترمدي
السنن الكبرى للنسائي
سنن ابن ماجة
الموطا للامام مالك
صحيح ابن حبان
مصنف عبد الرزاق
السنن الكبرى للبيهقي
مصنف ابن أبي شيبة
صحيح ابن خزيمة
التمهيد لابن عبد البر
فتح الباري للعسقلاني
عمدة القاري للعيني
مجمع الزوائد للهيثمي
مقدمة ابن الصلاح
الرسالة للامام الشافعي
الاحكام للآمدي
الاحكام لابن حزم
المبسوط للسرخسي
البحر المحيط للزركشي
جمع الجوامع لابن السبكي
إرشاد الفحول للشوكاني
الحاوي الكبير للماوردي
شرح المهذب للنووي
الشرح الكبير للرافعي
شرح المنهاج للمحلي
بداية المجتهد لابن رشد القرطبي
أسنى المطالب لزكريا الانصاري
مجموعة فتاوى ابن تيمية
فتاوى الامام السبكي
الحاوي للفتاوي للسيوطي
الاذكار للنووي
زاد المعاد لابن القيم
الضعفاء والمتروكين للنسائي
الضعفاء للعقيلي
ميزان الاعتدال للذهبي
تهذيب التهذيب للعسقلاني
تقريب التهذيب للعسقلاني
العبر للذهبي |
|