أسقطت «ثورة 25 يناير» نظام مبارك ولم تسقط فلسفة حكمه فكثير من ملامحها باقية وفق ما يؤكّد مراقبون، لافتين إلى أنّ «قادة الدفة الجدد في الحكومة ومؤسسة الرئاسة وغيرهما اتبعوا منهاجاً مشابهاً لفلسفة مبارك في إدارة المشهد السياسي»، ما يضع المصريين أمام تحدٍ جديد لاستكمال الثورة أو السعي نحو استكمال النتائج ومحو الآثار التي ما تزال عالقة بمؤسسات الدولة ومتبقية من النظام المخلوع على حد قولهم.
وعلى الرغم من نجاح الملايين التي احتلّت ومختلف الميادين في القاهرة والمحافظات في زلزلة عرش الرئيس حسني مبارك مطيحة به من قلب المعادلة السياسية الذي احتكره طيلة ثلاثة عقود، إلا أنّ المراقبين يرون أنّ فكر مبارك ما يزال يحكم وما تزال فلسفته السياسية والاقتصادية تُمسك بتلابيب المشهد المصري، رغم وجود رئيس مدني منتخب جاء محمولاً على شرعية صناديق الاقتراع.
ويؤكّد محللون سياسيون أنّه، وعلى الرغم من نجاح الرئيس المصري محمّد مرسي، في إنهاء دولة العسكر من خلال قرارات ثورية أطاحت بازدواجية الحكم، إلّا أنّه فشل وطيلة 6 شهور من فترة ولايته الأولى من تغيير أو الإطاحة بفكر الرئيس المخلوع مبارك في الإدارة، لافتين إلى أنّ أبرز تجلّيات ذلك تتمثّل في سلسلة قراراته لاسيّما الأخيرة وآليات تعامله مع الأزمات تتصدرها الأزمة الشائكة في علاقته وأسلوب تعاطيه مع المعارضين، مشيرين إلى أنّ «الشعب المصري يقبع الآن تحت حكم مدني يرتدي عباءة عسكرة باسم الدين»، لافتين إلى أنّ المصريين وإن تخلّصوا من مبارك فإنهم يجابهون فلسفة مشابهة إلى حد التطابق يتبعها محمّد مرسي.
تشابه أخطاء
وتعدّد الحقوقية والناشط السياسي شاهندة مقلد، الأخطاء التي سقط فيها نظام مرسي وتشابهها مع ممارسات الرئيس المخلوع، لافتة إلى أنّ «أبرز تلك الأخطاء تتمثّل في القيام بإراقة دماء المصريين من خلال اشتباكات القصر الأخيرة وما سقط فيها من قتلى وجرحى»، مشيرة إلى أنّ «ثاني تشابهات الرئيسين يكمن في آليات تعامل مؤسسة الرئاسة مع المعارضين من استمرار للتهميش واتباع سياسية الإقصاء»، فضلاً عن استمرار توجيه ذات التهم إلى المعارضين في السعي للإطاحة بنظام الحكم وغيرها.
تطابق إقصاء
من جهته، يلفت أستاذ العلوم السياسية د. جمال زهران، إلى أنّ «السمة الرئيسية التي تدلّل على بقاء فلسفة مبارك تتمثّل في العناد والتشبّث بالرأي في وجه مطالب المعارضين والضرب عرض الحائط بآرائهم وتوصيات الخبراء والمحللين»، موضحاً أنّ «مرسي يتخذ من التيّار الإسلامي لاسيّما جماعة الإخوان المسلمين عضداً يتحدى بهم مخالفيه من مختلف قوى المعارضة، في تشابه يلامس حدود التماثل مع ممارسات مبارك في اتخاذه من أنصار الحزب الوطني ومجموعة من رجال الإعلام سنداً في أوجه المعارضين».
مبارك مُحرّكاً
ويشدّد مراقبون على أنّ دلالات استمرارية فكر مُبارك تظهر بقوة في الملف الاقتصادي، مؤكّدين أنّ الكثير من أفكار نظام مبارك ورؤاه الاقتصادية ما تزال محرّكاً رئيسياً للمشهد الاقتصادي الآن، إذ إنّ كثيراً من القوانين التي يتم إقرارها في هذا الشأن وأبرزها قانون الضرائب العقارية وقوانين الاستثمار والتجارة والصناعة والتسهيلات الموجّهة للمستثمرين ورثت عن نظام مبارك، ملمحين إلى أنّ الكثير من قوانين ورؤى مبارك في الشأن الاقتصادي ليست فاسدة كما أشيع في أعقاب سقوط نظامه بدلالة تطبيقها من قبل نظام مرسي وإنتاجها في شكل جديد.
في المقابل، تقول مصادر مسؤولة في حزب الحرية والعدالة الحاكم: إنّ آليات عهد النظام المخلوع ليست فاسدة جميعها، مشيرة إلى احتوائها على بعض الاستراتيجيات والرؤى والآليات البناءة ما يبرّر تطبيقها الآن، لاسيّما استراتيجيات وزير التجارة والصناعة الأسبق رشيد محمد رشيد. في السياق، ينوّه المرشّح السابق للانتخابات الرئاسية الناشط السياسي خالد علي، إلى أنّ دلائل تحوّل مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين إلى أنموذج مشابه لأنموذج الحزب الوطني المنحل باتت واضحة، ما أفرز ذات آليات النظام السابق في إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً.
غرور نظامين
ترى القوى المدنية تشابه قوى الإسلام السياسي من النظام السابق في الغرور والتعالي على المعارضة وتهميشها، عبر الإيحاء بأنّها قوة هائلة قادرة على الأمر والنهي وتسيير أمور البلاد، مشيرة إلى تعمّد القوى الإسلامية اتهام كثير من المعارضين بمحاولة قلب نظام الحكم وإهانة الرئيس وغيرهما من تهم.