عبد الله بن عباس
يكنى أبا العباس وهو حبر الأمة، ولد قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين . وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثلاث عشرة سنة ، ولد وبنو عبد المطلب في الشعب ، فجاء به أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبله ومسح وجهه ورأسه ودعا له، فقال: اللهم املأ جوفه فهما وعلما، واجعله من عبادك الصالحين، ثم قال: يا عم، هذا عن قليل حبر امتي وفقيهها والمؤدي لتأويل التنزيل .
وكان عبد الله بن عباس مقدما عند أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم، وحج بالناس سنة خمس وثلاثين بأمر عثمان وعثمان محصور، وولاه علي بن أبي طالب البصرة وشخص معه إلى صفين، ثم رجع إليها واليا عليها،
قال ابن عباس: كنت في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم مراهقا للحلم.
و يقول ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيت ميمونة، قال: فوضعت له وضوءا من الليل، فقالت ميمونة: يا رسول الله وضع لك هذا ابن عباس، فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
و عن طاووس قال: ادركت سبعين شيخا من أصحاب محمد فتركتهم وانقطعت إلى هذا الفتى، يعني ابن عباس، فاستغنيت به.
قال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت أجمل الناس، فاذا تكلم قلت أفصح الناس، فاذا حدث قلت أعلم الناس.
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام - أو يا غليم - الا أعلمك شيئا ينفعك الله به، احفظ الله يحفظك، اذكر الله يذكرك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واذا سألت فاسأل الله، واذا استعنت فاستعن بالله، واعلم ان النصر مع اليقين، وان الفرج مع الكرب، وان مع العسر يسرا، وانه لو اجتمع الخلائق على ان يعطوك شيئا لم يقضه الله لك لم يستطيعوا، ولو اجتمعوا على أن يمنعوك شيئا قضاه الله لم يستطيعوا.
عن مجاهد قال: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلا أن يقول: قال رسول الله.
قال مجاهد: كنت إذا رأيت ابن عباس يفسر القرآن أبصرت على وجهه نورا.
قال عطاء بن أبي رباح: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس، لا أعظم جفنة ولا أكثر علما، أصحاب القرآن في ناحية، وأصحاب الفقه في ناحية، وأصحاب الشعر في ناحية، يوردهم في واد رحب.
و كان ابن عباس يسأل عن القرآن فيقول: هو كذا، أما سمعتم الشاعر يقول كذا?
قال ابن عباس: كان عمر يأذن لأهل بدر ويأذن لي معهم، فذكر أنه سأله وسألهم فأجابه، فقال لهم: كيف تلومونني على ابن عباس بعد ما ترون? و كان عمر وعثمان يدعوان ابن عباس مع أهل بدر، وكان يفتي في عهد عثمان إلى أن مات.
كان ابن عباس اذا سئل عن الأمر فكان في القرآن أخبر به، فان لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به، فان لم يكن في القرآن ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن في شيء من ذلك اجتهد رأيه.
قال ابن عباس: سلوني عن التفسير فإن ربي وهب لي لسانا سؤولا، وقلبا عقولا.
كان عبد الله بن عباس يسمى البحر لكثرة علمه.
وجد ناس من المهاجرين على عمر بن الخطاب في إدنائه ابن عباس دونهم، فقال عمر: اما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون به فضله، فسألهم عن هذه السورة اذا جاء نصر الله والفتح فقال بعضهم: أمر الله نبيه اذا رأى الناس يدخلون في دين الله افواجا أن يحمده على ذلك ويستغفره، فقال عمر: يا بن عباس تكلم، فقال أعلمه أنه ميت، يقول: "إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا" فهي آتيك في الموت، ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا القول فيها، فقال بعضهم: ليلة احدى وعشرين، وقال بعضهم: ليلة ثلاث وعشرين، وقال بعضهم: ليلة سبع وعشرين، فقال لابن عباس: تكلم، فقال ابن عباس: إن الله وتر يحب الوتر، خلق السموات سبعا والأرضين سبعا، وجعل عدة الأيام سبعة، وجعل الانسان من سبع، فقال: "ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين" ثم جعل رزق الانسان من سبع فقال "أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم فاما السبعة فمتاع لبني آدم، وأما الأب فهو ما تنبت الأرض للانعام، وما نراها إن شاء الله إلا لثلاث وعشرين تمضي ولسبع يبقين، فقال عمر: كيف تلومونني على ابن عباس?
أول من عرف بالبصرة ابن عباس، وكان كثير العلم، قرأ سورة البقرة ففسرها آية آية وحرفا حرفا.
و يقول ابن عباس: من حلم ساد ومن تفهم ازداد.
و كان ابن عباس في سفر حين نعي اليه أخوه قثم ، فاسترجع ثم عدل عن الطريق فأناخ راحلته وصلى ركعتين أطال فيهما، ثم عاد إلى راحلته فركبها، فقيل له: ما رأينا كما فعلت، فقال: أما سمعتم الله يقول: "واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين."
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثيرا بني العباس ويقول: "من سبق إلي فله كذا، فيستبقون إليه ويقعون على صدره وظهره فيقبلهم ويلتزمهم."
قال ابن عمر: ابن عباس أعلم الناس بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد كان ابن عباس من الاسلام بمكان، ومن علم القرآن بمنزلة رفيعة، وكان عمر إذا ذكره قال: ذاكم كهل الفتيان.
خلا عمر بن الخطاب يوما ففكر كيف تختلف الامة ونبيها واحد وقبلتها واحدة وكتابها واحد، فدعا ابن عباس فسأله عن ذلك فقال ابن عباس: أنزل القرآن علينا فقرأناه وعلمناه فيما نزل، وسيكون بعدنا أقوام يقرأونه ولا يدرون فيما نزل فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان ذلك اختلفوا، فزبره عمر، ثم إنه أرسل إليه فقال: أعد علي قولك، فأعاده فعرف عمر صوابه وأعجبه.
وقال حسان بن ثابت الانصاري في عبد الله بن العباس:
اذا قال لم يترك مـقـالا لـقـائلبمنتظمات لا ترى بينها فـصـلا كفى وشفى ما في النفوس ولم يدعلذي إربة في القول جدا ولا هزلا سموت إلى العليا بغـير مـشـقةفنلت ذراها لا دنـيا ولا وغـلا
قال ابن عباس: إياك والكلام فيما يعنيك إذا كان في غير موضعه، ولا تمار سفيها ولا حليما، فان السفيه يؤذيك وإن الحليم يقليك، واذكر أخاك في غيبته بما تحب أن يذكرك به، ودعه مما تحب أن يدعك منه.
لما وقع في عين ابن عباس الماء أراد أن يتعالج منه فقيل له: إنك تمكث كذا وكذا يوما لا تصلي إلا مضطجعا فكره ذلك.
قال ابن عباس: لجليسي عندي ثلاث إذا أقبل رحبت به، وإذا قعد أوسعت له، وإذا تحدث أنصت لحديثه واستمعت منه.
سأل ابن عباس بعض أصحابه عن شيء فقال: لا أدري، فقال ابن عباس: أحسنت، كان يقال: إن قول لا أدري نصف العلم.
كان عبد الله بن عباس مديد القامة جيد الهامة، مستدير الوجه، جميله أبيضه، وليس بالمفرط البياض، سبط اللحية، في أنفه قنى، معتدل الجسم، وكان أحسن الناس عينا قبل أن يكف بصره، وكف قبل موته بست سنين أو نحوها، وتوفي بالطائف سنة ثمان وستين وهو ابن إحدى وسبعين سنة وأشهر، أو اثنتين وسبعين، وصلى عليه ابن الحنفية ، وكان مرضه ثمانية أيام .
وقال الواقدي وغيره: نزل في قبر عبد الله بن العباس وتولى دفنه علي بن عبد الله ومحمد بن الحنفية والعباس بن محمد بن عبد الله بن العباس، وصفوان، وكريب، وعكرمة، وأبو معبد مواليه.