وضع الرجل المناسب في المكان المناسب
ليس أفضل من أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب ,فالأعمال تتباين من حيث السهولة والتعقيد ، كذلك يختلف الأشخاص فيما بينهم من ناحية المؤهلات والقوى العقلية والبدنية و كيفية أو أسلوب الأداء ، حيث إن الأعمال متفاوتة فيما تحتاج إليه من قدرات وإمكانيات ومواهب ، وتتطلب عملية أداء الأعمال والوظائف بالشكل المنطقي والمناسب والعملي أن يكون المؤدي لها يملك القدرة التي تناسبها وتلاؤمها ، إضافة إلى امتلاكه مهارة التأثير بالآخرين من أجل تحقيق أهداف منظمته.
إن مناسبة الشخص لوظيفة معينة تنطبق على كل مستويات العمل وعلى مختلف أنواع الأشخاص ، فتبدأ من أعلى المناصب في الدولة ولغاية أقل الأعمال شأناً في المجتمعات ، فليس من المعقول أن يتقلد الجاهل مقاليد الأمور والحكم ليتحكم بمصائر العباد بلا أدنى خبرة بكيفية تسيير أمورهم وتمشية اقتصاديات الدولة ، وليس من المعقول أيضاً أن يوضع العالم في وظيفة حقيرة لا تليق بعلمه وحكمته ورجاحة عقله .
وقد حث رسول الله محمد ( ص ) على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وذلك مراعاةً لظروف العمل ومتطلباته وقدرات الفرد وإمكانياته ، وقد أنعكس ذلك فيما بعد على نجاح رسالته للناس ، وحين ابتعد الناس عن هديه ( ص ) سارت الأمور إلى الخراب والاستئثار بالحكم والقضاء دون علم أو حكمة .
ولهذا فقد كان من الاستراتيجيات التي تعمل عليها إدارة الموارد البشرية هي استراتيجية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، فقد بينت التجارب الكثيرة في المنظمات أن العديد من الانتكاسات والمشاكل في العمل كان سببها سوء إدارة العمل وضعف القرار المتخذ و عدم الخبرة في التعامل مع الآخرين مهما كانت صفاتهم وهذا الأمر لا يعود الى وجود مشكلة أو خلل في الوظيفة أو العمل فحسب ، بل لأن هناك خلل في عدم قدرة من يديرها ويتحمل مسؤوليتها .
إن تطبيق قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب لا تشمل فقط المناصب العليا القيادية في المنظمات بل أنها تتوافق مع كل مستويات الوظائف الموجودة ، فإن تنظيم هيكل الوظائف يعتمد على وجود مواصفات فنية أو علمية لكل مستوى من هذه الوظائف , والوظائف التي تعتمد على القوة الذهنية والجانب الفكري والعقلي توضع الشروط فيها لقبول العاملين الذين حصلوا على شهادات علمية أو أكاديمية
، وتقع مهمة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب على عاتق الإدارة العليا ، وإدارة الموارد البشرية حيث تترتب من خلال عمليات متسلسلة تقوم بها هذه الإدارة من عملية التخطيط و التنظيم إلى التوظيف
وعدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب يؤدي إلى فقدان أصحاب الموهبة والكفاءة والتبذير في الوقت والمال و إهدار في الإمكانيات والخبرات و سوء استغلال الطاقات و فقدان القدرة التنافسية للمنظمة و انخفاض الإنتاجية.
أما حالة المحاباة والعلاقات الشخصية التي تتسبب في اختيار بعض الأشخاص ليشغلوا مسؤوليات أكبر من قدراتهم فقد سادت الكثير من مواقع العمل وخصوصاً الحكومية في معظم البلدان ، هي حالة تحطيم بطيء وتبديد لثروات وضياع لكفاءات كثيرة يمكن أن تكون سببا ً في التقدم والتطور خلال مدة أقصر بكثير من سنوات تضييع الإمكانيات بواسطة الأشخاص غير المناسبين في الأمكنة غير المناسبة .
وخير ما نختتم به هذا الموضوع هو الدليل القرآني الذي وثق به سبحانه وتعالى أختلاف قدرات البشر وأختلاف إمكانياتهم بقوله تعالى : ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) سورة الزخرف آية 32 .
إعداد / أ.
خضر صبح