كنتيجة للنظرة للفرد والبيئة والتفاعل بينهما من وجهات مختلفة فان المواقف النظرية التي استعرضناها في المحاضرات السابقة تقترح مناح أو مناهج مختلفة للعملية التي نسميها الإرشاد المهني. في هذا الفصل سوف نستعرض بعض التأثيرات التي تتضمنها أو تفرضها تلك المواقف النظرية على العملية الإرشادية. تركيزنا سوف يكون على التعرف على العوامل الرئيسية المؤثرة دون محاولة للتعرف على أو تفصيل الأمور الصغيرة لكل موقف نظري. سننظر بشكل رئيسي لكيف سيعمل المرشد وماهي المصادر التي سيستخدمها وماهي النتائج التي سيتوقعها المرشد تحت كل واحد من الأطر النظرية الرئيسة .
1-النظريات الموقفية Situational Theories (الاقتصادية والاجتماعية ونظريات التحليل النفسي)
قليل من المرشدين المهنيين سيتخذون تلك النظريات الاقتصادية والاجتماعية كأساس نظري لممارساتهم الإرشادية نظرا لان تلك النظريات تضع المرشد والمسترشد في موقف العاجز أو المسير. في نفس الوقت قلة من المرشدين هم الذين سوف ينكرون اثر العوامل التي تؤكد تلك النظريات على أهميتها.
النظريات الاقتصادية تؤكد على أهمية سوق العمل وعلى تفاعل عوامل العرض والطلب وأثرها على الفرد. دور المرشد هنا هو مساعدة المسترشد على قراءة المؤشرات للتنبؤ بحاجة سوق العمل ومن ثم وضع خطط مهنية بناء على تلك المؤشرات. إذا المرشد هنا سيمثل دور المرشد الاقتصادي الذي يحاول تحديد حاجات سوق العمل على المدى الطويل. حيث أن الأمور الاقتصادية هي مركز الاهتمام هنا، المرشد المهني سوف يكون ماهرا في ملاحظة التغيرات الاقتصادية والتنبؤ بها والتنبؤ بالفرص الوظيفية. المرشد إذا سوف يطلع باستمرار على المجلات والجرائد والتقارير الاقتصادية لمساعدته على التنبؤ بالظروف الاقتصادية. الاهتمام سيكون على مساعدة المسترشد على الدخول في مجالات يكثر فيها الطلب على الأيدي العاملة والابتعاد عن المجالات التي لا يحتاجها سوق العمل.
النظريات الاجتماعية تضع تركيزها على العوامل الاجتماعية والثقافية وتميل إلى النظر للفرد على انه نتاج التفاعل بين تلك العوامل. مثلا Lipsett (1962) يؤكد على أهمية الطبقة الاجتماعية والأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي وضغط الأقران وإدراك الدور كعوامل مؤثرة في النمو والتطور المهني. Caplow (1954) وغيره أكد على أهمية عامل (الوجود في المكان المناسب في الوقت المناسب) أو عامل الصدفة في النمو المهني. Krumboltz (1976) نادى مؤخرا بتسمية تلك العوامل بـ "الأحداث غير المتوقعة" بدلا من "الصدفة".
لو أن المرشد اتبع المنحى الاجتماعي كمنهج وحيد فسوف يركز على مساعدة المسترشد على التقبل السلبي لما سوف يمنحهم إياه القدر. المرشد سوف يتجاهل إمكانية اثر عوامل مثل التخطيط الجيد، تطوير القدرات والاستعدادات، الدافعية على النمو المهني لان "ما سوف يحدث سوف يحدث". دور المرشد سوف يكون دور تنبؤي (بمستقبل المسترشد المهني) بناء على العوامل التي ذكرها Lipsett. المرشد سوف يستخدم المقابلة وبعض الأدوات المسحية للتعرف على "وضع" المسترشد فيما يتعلق بتلك العوامل الاجتماعية.
إذا النظريات الاجتماعية والاقتصادية تؤكد على أهمية المجتمع والأسرة والثقافة والظروف الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من العوامل التي خارج تحكم الفرد وأثرها القوي على هوية الفرد وقيمه ونموه المهني. تسمى تلك النظريات أحيانا نظريات الصدفة أو الفرصة وتنص على أن أشخاص كثيرون يسلكون السبيل الأقل مقاومة وينخرطون بفرص العمل التي توجد صدفة في طريقهم.
معظم المرشدين يصرون على أهمية العوامل الاجتماعية في النمو المهني وعلى وجوب أخذها في الاعتبار عند التعامل مع فرد يريد وضع خطط مهنية. معظم المناحي أو النظريات مثل المنحى النمائي أو منحى الحاجات النفسية، يدرجون العوامل الاجتماعية كجزء من "الصورة الكاملة". ولكن بعض الباحثين المنتمين للمنحى الاقتصادي والاجتماعي يصرون على أن تلك العوامل هي التي يجب أخذها في الاعتبار دون غيرها.
بالنسبة لوجهة النظر التحليلية، ذكر Brill (1949) مثلا وجهة نظر قدرية أو محتومة في النمو المهني. فهو يرى أن المهن ماهي ببساطة إلا تعبير عن قوى نفسية لاشعورية وعادة الفرد سوف يعبر عنها "بإعلائها" في دور أو شكل مهني. (الإعلاء sublimation أحد ميكانزيمات الدفاع عند فرويد). مثلا الجراحين والجزارين والصيادين والمقاتلين ببساطة يعبرون عن دوافع أو نزوات سادية بينما الممثل يعبر عن "افتضاحية" أو "اظهارية" أساسية Basic exhibitionism (استعراضية أو تعري). بناء على هذه النظرة، المرشد لاداعي له لذلك لا توجد طريقة لتحديد دور المرشد في هذا الإطار.
الخلاصة أن النظريات الموقفية تسهم في فهم العلاقة بين الفرد والوظيفة في عملية التطور المهني. الأحداث الاقتصادية والعوامل الاجتماعية والخصائص الشخصية وحتى الصدفة، تؤثر على الاختيارات المهنية للأفراد. ولكن تلك النظريات لا تأخذ في الاعتبار عوامل عدة يبدو أن لها أثرا كبيرا على النمو المهني.
2-منهج (أو منحى) السمات والعوامل :Trait-and-factor theory or approach
* السمات: تعني مالدى الفرد من خصائص يمكن قياسها بالمقاييس الموضوعية.
* العوامل: تعني متطلبات النجاح في تخصص أو مهنة معينة.
هذه النظرية في شكلها المبسط مؤسسة على فكرة أن الفروق الفردية في "السمات" يمكن قياسها ثم المواءمة بينها وبين "المتطلبات" المختلفة للمهن أو التخصصات. مفهوم المواءمة، كما سبق ذكره، ، يمكن أن يرد إلى بارسونز ومفاهيم القياس ترد إلى جماعة مينسوتا (باترسون وويليامسون وزملائهم). خلال الفترة التي سيطر فيها إرشاد السمات والعوامل وماتلاها، كان يتم غالبا تحديد المتطلبات المهنية لعمل معين عن طريق قياس الخصائص التي يمتلكها الموظفون في ذلك العمل. الافتراض الضمني هو أن تلك الخصائص التي يمتلكها الموظفون مطلوبة أو ضرورية للأداء الناجح لذلك العمل. مثال على هذا المنحى او المنهج: بطارية الاستعداد العامةGeneral Aptitude Test Battery التي تعطي "معايير مهنية" و"أنماط الاستعداد المهني" بناء على الدرجات التي تم الحصول عليها من الموظفين الواقعين في الثلثين الأعلى من مجموع الموظفين الذين تم اختبارهم. إذا هنا تطبيق لنتائج القياس في التنبؤ بالنجاح المحتمل في عمل معين.
اقترح وليامسون أن الأفراد الذين يطلبون الإرشاد لمساعدتهم على التخطيط المهني يمكن أن يصنفوا في أربع فئات:
1) بدون اختيار
2) اختيار غير أكيد
3) اختيار غير حكيم
4) عدم تطابق بين الميول والاستعدادات.
في عملية الإرشاد المهني المسترشد يشخص على انه ينتمي إلى إحدى تلك الفئات. ومتى ما تم التشخيص يتم وضع خطة عمل لحل المشكلة أو الصعوبة التي تواجه المسترشد. يرى ويليامسون بان على المرشد إكمال ست خطوات في عملية الإرشاد هذه. تلك الخطوات هي:
1-التحليل: جمع المعلومات عن الفرد أو المسترشد من إجراءات المقابلة مدعمة ببيانات من الاختبارات والمصادر الأخرى. المعلومات تشمل الاستعدادات، الميول، الدوافع، الصحة الجسمية، الاتزان الانفعالي، الخلفية الأسرية، المعرفة، التقدم الدراسي، وعوامل أخرى.
2-التركيب: تلخيص البيانات والمعلومات عن المسترشد وتنظيمها بحيث تبين مشكلته ومصادر قوته وخصائصه الفريدة. المرشد هنا يحاول البحث عن نمط الاتساق في المعلومات المجمعة بحيث يصل إلى فكرة واضحة عن المسترشد ومشكلته.
3-التشخيص: تشخيص المشكلة أو المشاكل المهنية لدى المسترشد (ليس لديه خيار، لديه خيار ولكنه غير متأكد، لديه خيار ولكنه خاطئ، تناقض بين الميول من جهة والاستعدادات و القدرات من جهة أخرى). هنا المرشد يراجع معلومات الحالة مستخدما المعلومات الموضوعية بالإضافة إلى حسه الإكلينيكي للوصول إلى تقييم ناقد واستنتاج للأسباب الحقيقية خلف المشكلة.
4-التنبؤ: بمدى نجاح الفرد في تحقيق الأهداف التي وضعها (إذا كان لديه أهداف). هنا المرشد يتنبأ بالتطور المستقبلي للمشكلة في ضوء تقييم المعلومات المتوفرة. إذا كان بالإمكان الوصول إلى تنبؤات صحيحة عن السلوك المستقبلي فان وليامسون يقترح أن تجمع هذه الخطوة مع التشخيص. عموما هذه الخطوة تتضمن التعرف على الخيارات المتوفرة أو على محاولات التوافق التي يمكن أن يقوم بها المسترشد.
5- الإرشاد: أو تقديم الاستشارة عندما يتبين للمرشد أن الفرد لم يوفق في اختيار مهنة أو تخصص مناسب (أي في وضع الأهداف). هنا المرشد يحاول أن يساعد المسترشد على تجميع وتنظيم مصادر قوته وإمكاناته الشخصية وغير الشخصية التي ستساعد على التوافق سواء الآن أو في المستقبل. المرشد هنا يقدم للعميل الأدلة المؤيدة أو غير المؤيدة لاختيار المسترشد التعليمي أو المهني موضحا المعلومات المؤيدة وغير المؤيدة ووزن أو أهمية كل منها مبينا لماذا ينصح المسترشد باتباع حل أو مسار معين.
6-المتابعة أو التتبع: لتحديد ما إذا كان الحل الذي اقترح من خلال عملية الإرشاد حل جيد قابل للتطبيق، إذا تبين أن الحل غير جيد فان كل الخطوات السابقة يجب أن تعاد من جديد، أي أن تعاد عملية الإرشاد المهني من بدايتها لتحديد المشكلة المهنية لدى الفرد. هذه الخطوة تتضمن مساعدة المسترشد في المستقبل أما في التعامل مع مشاكل جديدة أو مع عودة ظهور المشكلة نفسها أو للتأكد من فعالية الإرشاد.
في تلك الخطوات الست، كما راءها ويليامسون والمرشدين الأوائل المتبعين لمنهج السمة والعامل، المرشد يتبنى دورا شبيه بدور الطبيب في تحديد مشكلة المسترشد ووصف العلاج لإصلاح المشكلة ومن ثم المتابعة والتأكد من نجاح المعالجة. هذا الدر القيادي النشط للمرشد انتج مصطلح الإرشاد "الموجه" أو "المباشر" بواسطة "غير الموجهين" أو "غير المباشرين" (كارل روجرز ومؤيديه) الذين قاومو أو عارضو ذلك الدور للمرشد.
مرشد "السمة والعامل" يستخدم مصادر عدة ويطبق العديد منها مع كل عميل. في مرحلة التحليل يحصل المرشد على معلومات عن المسترشد من المقابلات، سجلات المدرسة، وغيرها من المصادر الذاتية. علاوة على ذلك، القياس المكثف يستخدم غالبا للحصول على معلومات موضوعية. قدرة المرشد على الربط والتأليف بين المعلومات ذات أهمية كبيرة في مراحل التركيب والتشخيص والتنبؤ. المرشد ينظم ويقيم المعلومات عن الفرد ويستخدم المعلومات المهنية لتأييد أو عدم تأييد خطط المسترشد أو لمساعدة المسترشد على تطوير أو قبول خطة. في مرحلة أو خطوة الإرشاد، يكون المسترشد نشطا في مناقشة أو التخطيط لخطة عمل. وليامسون يرى المرشد كمسؤول عن إقامة علاقة ثقة مع المسترشد ومساعد على فهم المسترشد لنفسه ومرشد أو مخطط لبرنامج عمل، وفي بعض الأحيان كمنفذ لخطة أو كمسئول عن تحويل المسترشد إلى فرد آخر من اجل المساعدة الإضافية. عند الحاجة، وليامسون يرى المرشد كمسؤول عن إجبار المسترشد على الطاعة (الامتثال) أو عن تغيير البيئة أو عن تدريس المسترشد بعض المهارات أو عن تغيير بعض اتجاهات المسترشد. لإنجاز ذلك قد يحتاج المرشد للإقناع أو الشرح أو التوجيه والقيادة.
النتيجة التي يتوقعها مرشد "السمة والعامل" هي حل مشكلة المسترشد الحالية. الخطوة الأخيرة "المتابعة" تفترض بوضوح أن بعض التعديل أو التنقيح للخطة الموضوعة ربما يكون ضروريا في وقت لاحق. أيضا من المفترض أن حل مشكلة المسترشد الحالية سيساعده على أن يكون احسن استعدادا لحل المشاكل مستقبلية نظرا لان حل المشكلة يتوقع أن يؤدي إلى "إدارة ذاتية" self-management”اكثر فعالية.
3-النظريات المستندة إلى الشخصية:Personality-based-theories
علمنا فيما سبق أن هناك نظريتان تصنفان على انهما تنتميان إلى هذا المحنى. نظرية آن رو التي تربط نظريتها بوضوح إلى هرم الحاجات عند ماسلو. أما جون هولاند فهو يشير بصورة غير مباشرة إلى عامل حاجات عندما يقول أن اختيار شخص لمهنة ماهو في الأساس إلا تعبير عن الشخصية. نظرا للاختلاف الكبير بين النظريتين فسوف نناقش تطبيقات كل واحدة بشكل مستقل:
نظرية آن رو(منحى الحاجات):
لقد أشار Osipow 1983 إلى أن إطار رو النظري لم يتضمن توصية صريحة بمهمة الإرشاد. لذلك لا يمكن تحديد كيف تصورت آن رو تطبيق نظريتها بواسطة المرشد المهني. كثير من النظريات الأخرى تدرج أهمية الحاجات النفسية وتعترف بأثر خبرات الطفولة المبكرة كما أشارت إليها آن رو.
علاوة على ذلك فان نظامها الثنائي-الأبعاد لتصنيف المهن مستخدم بكثرة بواسطة المرشدين والمدرسين لمساعدة الأفراد على فهم عالم العمل. يشير Osipow إلى أنه يمكننا الوصول لبعض الاستنتاجات من نظرية رو حول نوع سلوك المرشد الذي يتماشى أو يتناسب مع النظرية:
يمكن منطقيا الاستنتاج من تأكيد رو على بنية الحاجات عند ماسلو بان المرشد سيعطي اهتماما رئيسيا للتعرف على حاجات المسترشد الشخصية ومساعدة المسترشد على فهم تلك الحاجات. المرشد المهني سوف أيضا يحاول مساعدة المسترشد لربط تلك الحاجات بالمهن عن طريق التعرف على المهن التي توفر اكبر إمكانية لإشباع الحاجات الموجودة عند المسترشد. يقترح Osipow أيضا انه في حالة أن عوامل غير عادية قد حالت دون أو شوهت نمو نمط مناسب للحاجات النفسية فان المسترشد ربما يحتاج للعلاج النفسي للمساعدة في فهم أو توضيح أو إعادة بناء نمط للحاجات اكثر مناسبة لمرحلة الرشد. هذا العلاج المكثف ربما يكون خارج عن نطاق اهتمام أو مهارة المرشد المهني وبالتالي فان إحالة المسترشد لمختص قد تكون ضرورية لمعالجة هذا العجز ومن ثم استئناف عملية الإرشاد المهني.
يتوقع من المرشد المهني المتبع لنظرية أن رو أن يستخدم إجراءات المقابلة وربما بعض المقاييس النفسية المناسبة للتعرف على نمط الحاجات عند المسترشد. عندما يصل المرشد والمسترشد لفهم واضح للحاجات والرغبات التي تسيطر على المسترشد فهناك خياران:
الخيار الأول: هو المواصلة والتفكير في المهن المناسبة لنمط الحاجات المسيطرة. هنا يكون تصنيف آن رو للمهن مفيدا لتطبيق هذا الخيار حيث انه صمم أصلا لهذا الغرض. هذا التصنيف يسمح للعميل بالتعرف على المهن التي تمثل نمط الحاجات الخاص به عند مستويات متعددة ذات علاقة بالمسؤولية والمتطلبات التعليمية والتي يمكن بعد ذلك التعرف عليها بتفصيل اكثر باستخدام الأدلة والوسائل المناسبة.
الخيار الثاني: الذي يواجه المرشد والمسترشد هو تحديد ما إذا كان نمط الحاجات الموجود يقدم أو يمكّن المسترشد من مواصلة حياة مرضية ومشبعة. إذا كانت الإجابة نعم فالمرشد والمسترشد سيتبعون الخيار الأول. أما إذا كانت الإجابة لا فالمرشد (أو المعالج في حالة تحويل المسترشد له) سوف يبدأ عملية مساعدة المسترشد على إعادة بناء حاجاته. حيث أن منظري الحاجات ينظرون إلى تلك الأمور على أنها ثابتة نسبيا وصعبة التغيير، فان تغيير نمط الحاجات قد يتطلب علاج مكثف وشامل.
البعض يرى أن هذا الأسلوب في الإرشاد يتطلب عملية شبيهة بمنهج بوردين السيكوديناميكي أو منهج روجرز المتمركز حول المسترشد. يفترض انه عند نهاية تلك العملية سوف يفكر المرشد والمسترشد في المهن المناسبة في ضوء الحاجات المعدلة أو التي أعيد بناؤها.
النتيجة المحتملة في أي من الحالتين ستكون دخول المسترشد في عمل يكون شخصيا مرضي له. تصنيف رو المهني يجمع المهن في فئات واسعة مرتبط بأنماط الحاجات التي تتطور من خبرات الطفولة المبكرة. تلك الفئات الواسعة تم تأييدها بعد ذلك ببحوث عدد من المنظرين مثل هولاند وهانسون. علاوة على ذلك فان نظرية رو تعترف بالفروق في القدرات وتأثيرات الأسرة وتوفر الإمكانات وغيرها. نظام تصنيف المهن الذي اقترحته رو يستخدم بواسطة مرشدين من مختلف الانتماءات النظرية لمساعدة العملاء على بناء إطار لفهم عالم العمل.
نظرية جون هولاند (منحى الانماط):
أساس نظرية هولاند هي أنماط الشخصية الستة والست بيئات التي توجد بها. نظرا لتأكيده الشديد على خصائص الشخصية، فان نظرية هولاند تصنف عادة، مثل نظرية آن رو، على أنها مؤسسة على نظرية الحاجات النفسية. كما سبق وأشرنا، هولاند يعطي اعتبار ضئيلا للعوامل النفسية والبيولوجية التي تنتج الخصائص الشخصية للعميل. هولاند يشير إلى نفسه كمعتنق لوجهة نظر معدلة من منهج "السمة والعامل". إضافة إلى ذلك، ينظر هولاند للإرشاد المهني الفردي (واحد-لواحد) على انه آلية أخيرة للاستخدام مع الأفراد الذين يبقون مشتتين أو غير متأكدين أو غير مقررين بعدما قدمت لهم أنواع أخرى من المساعدة الإرشادية أو المهنية.
هولاند يقترح أن المرشد يمكن أن يستخدم مقياس التفضيلات المهنية (Vocational Preference Inventory) أو مقياس استكشاف الذات Self-Directed Search (SDS) أو مقاييس هولاند المستمدة من مقياس سترونج للميول المهنية أو المستمدة من مقياس الميول لسترونج وكامبل، وذلك لتحديد خصائص المسترشد. ومن الصعب استخدام مقاييس أخرى نظرا لأنها ليست مربوطة بأنماط هولاند. هولاند يقترح أيضا أن المعلومات التي تجمع من المقابلات والتقارير والاختبارات أو أية مصادر أخرى يمكن أن تدخل ضمن بنية الأنماط. أيضا لتسهيل استخدام المسترشد، يرى هولاند أن المعلومات المهنية يمكن أن ترمز وترتب بناء على رموز هولاند. أخيرا يقترح هولاند أن تعرض العملاء والطلاب الإضافي لمعلومات مهنية عن طريق البرامج الصفية أو المتحدثين أو المواد المسموعة أو المرئية أو الزيارات أو أية طرق أخرى يمكن أن تنسق بحيث تتماشى مع بنية هولاند الرمزية للتأكد من الحصول على برنامج متوازن وشامل.
هولاند يعتقد أن النمو المهني غير السليم قد يكون نتيجة لواحد من خمسة أسباب هي:
1) خبرات غير كافية لاكتساب ميول وكفاءات محددة وإدراك جيد للذات.
2)خبرات غير كافية للتعلم عن بيئات العمل أو معرفتها.
3)خبرات غامضة أو متناقضة عن الميول أو الكفاءات أو الخصائص الشخصية.
4) معلومات غامضة أو متناقضة عن بيئات العمل
5) عدم وجود المعلومات عن الذات أو الثقة الضرورية لترجمة الخصائص الشخصية إلى فرص وظيفية.
يرى هولاند أن المرشدين الذين يواجهون عملاء غير قادرين على عمل قراراتهم المهنية ربما يجدون مساعدة في جعل المسترشد يراجع ويناقش تلك الأسباب أو الظروف الخمسة بغرض التعرف على سبب عدم مقدرتهم على اتخاذ القرار المهني. المرشد أيضا يمكن أن يستفيد من أي مؤشر على كون أحد تلك الظروف هو سبب المشكلة وذلك لكي يحدد نوع العلاج الذي يجب أن يتلقاه المسترشد. مثلا هولاند يقترح أن شخصا لديه نمط (أو رمز هولاند) متسق يحتاج فقط إعطاءه المعلومات لكي يعمل اختيارا مهنيا مناسبا، بينما الفرد الذي لديه نمط غير متسق (أو مضطرب أو مشوش) قد يحتاج إلى إرشاد شامل أو علاج نفسي لكي يستطيع تطوير فهم افضل لذاته.
النتيجة المتوقعة من منحى أو منهج هولاند ستكون توافق مهني مرضي للعميل مؤسس على فهم واضح لذاته ولتاريخه أو تركيبته الشخصية وذلك لكي يستطيع عمل اختيارات مهنية متفقة مع تلك التركيبة.
4-النظريات النمائيةevelopmental theories
النمائيين ينظرون لاختيار مهنة على انه عملية تمتد على مدى طويل من الوقت وبناء عليه فان المرشد ستكون نظرته مختلفة بناء على المرحلة التي يوجد بها المسترشد عندما يقابل المرشد. حيث أن المنظرين النمائيين لديهم وجهات نظر عديدة مشتركة، فسيكون اسهل على القارئ لو تمت مناقشتهم بشكل مشترك وليس بشكل فردي. في الواقع فان مجموعة Ginzberg لم تعطي اهتمام خاص لدور أو لمكان المرشد في عملية النمو المهني. أشار Osipow 1983 إلى ذلك بوضوح عندما قال بان: النظرية يشوبها الغموض بحيث لا تقترح آليات للمرشدين عدا الفكرة العامة بان الخبرات يجب أن ترتب للصغار والشباب بحيث تسهل تقدمهم في المرحلة التي يوجدون بها. إذا كانت النظرية دقيقة وصادقة فيمكن استخدامها لتوضيح المهام النمائية وجعلها موضع اهتمام المرشدين والمدرسين والولدين.
سوبر، على الجانب الآخر، كتب كثيرا عن الإرشاد المهني النمائي ومنهجه سوف يسيطر على مناقشتنا لتطبيقات هذا الموقف النظري. الإرشاد المهني النمائي كما وصفه سوبر يجمع العملية النمائية (مراحل الحياة) مع منهج معدل من السمة والعامل. إدخال مفهوم "مراحل الحياة" يعترف بان حاجات وعمليات الإرشاد المهني سوف تختلف بناء على وضع المسترشد النمائي. مثلا شاب في سنوات الثانوية المبكرة ستكون عنده اهتمامات وحاجات مهنية مختلفة عن آخر عمره 25 سنة. إضافة إلى ذلك فان أي واحد منهما قد يكون سابقا أو متأخرا عن أقرانه الذين في سنه فيما يخص تخطيط وتنفيذ خطط النمو المهني. فكرة المقارنة مع جماعة الأقران أدى إلى تطوير مفهوم النضج المهني عند سوبر.
الإرشاد المهني يبدأ عادة بتحديد نضج المسترشد المهني حيث أن هذا مؤشر ليس فقط إلى أين يقع المسترشد نمائيا وماهي حاجاته الإرشادية، وإنما يقترح ماهي الإجراءات التي سيتبعها المرشد. المسترشد غير الناضج يساعد لتطوير مهارات فهم واستكشاف الذات والمهن قبل البدء في عملية الاختيار أو التجريب. بينما المسترشد الناضج سيكون اكثر استعدادا للتعامل مع المعلومات عن الذات والبيئة في عملية اتخاذ القرار. الفرد الشاب وغير الناضج يمكن أن يساعد بطرق مختلفة، غالبا تكون في علاقة غير إرشادية، لاكتساب المعلومات والمهارات المناسبة لمرحلة النمو المهني. عندما يقترب الفرد من مرحلة اتخاذ القرار ويكون قد طور مستويات مناسبة من النضج المهني يستأنف عندئذ الإرشاد المهني. يرى سوبر المرشد كمستخدم للمقابلات المباشرة وغير المباشرة بصورة دورية. في المقابلة الأولى، المرشد سيكون بصورة رئيسية "غير مباشر" يسمح ويشجع المسترشد ليصف ويستكشف المشكلة ونظرته لذاته وحقيقة عالمه النفسي. هذه العملية ستستمر حتى يشعر المرشد والمسترشد بان المشكلة تم التعرف عليها وتعريفها بشكل مرضي بواسطة المسترشد.
عند هذه النقطة المرشد يغير إلى أسلوب مباشر يتضمن التعرف على مواضيع الجلسات الإرشادية القادمة وتحديد الأولويات. كذلك يؤخذ في الاعتبار التعرف على المعلومات التي من الضروري الحصول عليها سواء المتعلقة بالفرد أو بعالمه وطرق الحصول عليها. عندما يكون احسن طريق للحصول على المعلومات هو إجراء الاختبارات والمقاييس عندئذ يتم إشراك المسترشد في هذه العملية وفي اتخاذ القرار باستخدام تلك الأدوات. المقاييس تستخدم بشكل انتقائي للحصول على معلومات محددة متى ما دعت الحاجة لتلك المعلومات ولا تستخدم يشكل واسع كبطارية اختبار عامة تطبق بطريقة شبه قسرية أو إلزامية.
بعد إنهاء هذه المرحلة يستأنف المرشد دور غير مباشر للسماح للعميل بالفرصة لكي يعبر عن آرائه بخصوص الخطة المقترحة ومضامينها ومتطلباتها. هذا التغيير في المسار يسمح للعميل باستيضاح المشاعر والاتجاهات وتقبل المسؤولية للخطة الإرشادية التي تم تطويرها بصورة مشتركة وأيضا بزيادة تقبل الذات والاستبصار بالذات.
الجلسات الإرشادية اللاحقة، التي يقوم فيها المرشد بمساعدة المسترشد على اكتساب وفهم نتائج المقاييس والمعلومات المهنية أو أية حقائق أخرى، تجرى بأسلوب مباشر. حيث أن المرشد والمسترشد يتعاملون مع معلومات تتضمن مصطلحات وشكل غير مألوف للعميل فان المرشد يمكن هنا أن يتقمص دور شبه تدريسي. الغرض من تلك الجلسات هو مساعدة المسترشد في الحصول على معلومات ضرورية إضافية ويتمثل أو يستوعب تلك المعرفة بطريقة تمكنه من استخدامها في عملية اتخاذ القرار.
توسيع منظور المسترشد من خلال اكتساب معومات إضافية يتطلب إعادة النظر في الاتجاهات والمشاعر. وبناء على ذلك المرشد يعود لدور غير مباشر. المسترشد هنا يساعد على فهم واستيضاح مشاعره واتجاهاته في ضوء هذا المشهد الواسع للذات وللعالم الذي يوجد فيه.
المرشد يستمر على هذا المنهج غير المباشر بينما المسترشد يتعامل مع مشاعره واتجاهاته ويتقدم في عملية اتخاذ القرار.
هذا التنقل بين الإجراءات المباشرة وغير المباشرة لا يلزم أن يكون مشتتا أو مربكا للمرشد أو للعميل. سوبر أساسا يفصل بين الأساليب الإرشادية لكي تتناسب مع محتوى الجلسات الإرشادية. عندما يكون المحتوى الرئيسي حقائق، مثل وضع خطط إجرائية أو مناقشة نتائج مقاييس أو مناقشة معلومات مهنية، فان المرشد يتخذ منهجا أو أسلوبا مباشرا. أما إذا كان لب المحتوى اتجاهاتيا، مثل استكشاف مفهوم الذات والخبرات السابقة أو التعرف على رغبة المسترشد في الاستمرار في الإرشاد كما اقترحه المرشد أو مناقشة شعور المسترشد تجاه نتائج القياس أو تجريب بعض الخبرات أو فحص الواقع، فان المرشد سيتخذ موقفا أو أسلوبا غير مباشر. في الدور الأول المرشد يستخدم التفسير والشرح والتلخيص، أما في الدور الثاني فالمرشد يستجيب بالتأمل والتوضيح وإعادة الصياغة.
المرشد النمائي يعتمد على العديد من المصادر. تلك تتضمن إجراءات المقابلة والمقاييس ومجموعة من المعلومات والخبرات والمواد المهنية. كما أشرنا مسبقا، اختيار وتطبيق المصادر المناسبة يرتبط بالمرحلة النمائية للعميل والأهداف والنتائج المتسقة مع نضج المسترشد المهني.
بشكل قد يبدو مبسطا، فان غرض تطبيق تلك الإجراءات هو مساعدة المسترشد على عملية تقييم تشمل تقييم المشكلة والمسترشد وأية تنبؤات بالتوافق المهني المستقبلي. بخلاف مؤيدي السمة والعامل، يرى سوبر المسترشد والمرشد كمنهمكين ومتعاونين في عملية التقييم هذه. وبناء عليه فان المسترشد يعطى مدخلا لمعلومات جديدة عن نفسه وعن المهن وعن البيئة بشكل واسع ولكن مطلوب منه في نفس الوقت التعامل مع مشاعره (أو مشاعرها) ودمجها في نموه المهني الشامل.
المرشد المهني النمائي لديه مدخل لكامل أدوات القياس كوسيلة لمساعدة الفرد لكي يتعلم عن نفسه. كتاب سوبر وكرايتس Super & Crites 1962 لازال يعتبر من أهم المصادر عن استخدام المقاييس. سوبر يقترح أن المقاييس يمكن أن تستخدم للحصول على المعلومات التي يبدو أنها حرجة للعميل لكي يفهم نفسه أو يفهم البيئة الأكبر. بدلا من اختيار وتطبيق بطارية طويلة وعامة من المقاييس على كل العملاء، يقترح سوبر أن يتم اختيار المقاييس التي تقدم معلومات محددة وتطبق أو تستخدم عندما يتفق المرشد والمسترشد على أن تلك المعلومات والبيانات ضرورية. المرشد يجب أن يكون لديه إتقان للمقاييس المتاحة لكي يضمن اختيار المقياس الأكثر مناسبة لحاجات المسترشد كما يدركها المرشد والمسترشد معا.
المرشد النمائي أيضا يساعد المسترشد على استخدام المعلومات عن الأعمال وعالم العمل أو البيئة الأكبر التي توجد بها تلك الوظائف والأعمال. تلك المعلومات توجد بأشكال متنوعة قد تبدأ من بعض المطبوعات وتصل إلى حد الاحتكاك المباشر بالعمل ( مثل قضاء يوم مع موظف أو عامل ومراقبة ماذا يعمل أو خبرات تجريب العمل أو الوظيفة). الغرض الرئيسي من استخدام المعلومات المهنية هو مساعدة المسترشد على التقييم الذاتي والتقييم التنبؤي (المساعدة في التعرف على نقاط القوة والضعف الحالية والكامنة وتقدير إلى أية درجة يمكن لتلك الخصائص التنبؤ بالنجاح أو الرضا المستقبلي).
بعض النمائيين يؤكدون على أن المعلومات المهنية المفيدة للمرشد النمائي هي تلك التي تتبع منهج النموذج المهني مثل تلك المعلومات التي وفرتها دراسات سوبر والتي تتبع من خلالها السبل التي سلكها أفراد عينته من السنوات المبكرة في الثانوية إلى منتصف الثلاثينات من أعمارهم. استخدام تلك المعلومات يجب أن يتم بحذر حيث أن العوامل والظروف التي مر بها المراهقون منذ ثلاثين أو أربعين سنة ليست مثل التي يمر بها جيل اليوم. عوامل داخلية مثل القيم والدوافع والأهداف وعوامل خارجية مثل الفرص والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ليست لها صفة الثبات لفترات طويلة من الزمن.
المرشد النمائي يتوقع أن الإرشاد المهني سينتج عنه اكتساب المسترشد فهما أوضح للذات مما سيؤدي إلى قرارات اكثر مناسبة في الحاضر متسقة مع مفهوم ذات المسترشد. علاوة على ذلك يتوقع المرشد أن يكون المسترشد قادرا على تعديل القرارات الحاضرة للتناسب مع الظروف المتغيرة التي قد يصادفها في المستقبل.
5-نظريات التعلم الاجتماعي واتخاذ القرار:Social learning & Decision-making theories
نظرية التعلم الاجتماعي مبنية في الأساس على مبادئ علم نفس التعلم بل أن مصطلح Krumboltz "التعلم الاجتماعي" وضع للتأكيد على ذلك. بناء عليه فانه طبيعي التوقع بان المرشد سوف ينخرط غالبا في علاقة تعليم أو تدريس مع المسترشد.
هذا التدريس قد يكون مباشر-مثلا إيصال المعرفة والمعلومات للعميل- أو غير مباشر-مثلا المرشد بدون قصد يخدم أو يؤدي "نموذج دور" Role model – وذلك باستخدام أو تكوين مواقف تعلمية لبناء الفهم والاتجاهات ومن ثم إنتاج أو إحداث السلوك. أشار Krumboltz وزملائه إلى أن اهتمام المرشد يجب أن ينصب أولا على ما يسمونه بالتعرف على المشكلة ويحددون سبعة أنواع من المشاكل يمكن أن تكون عند المسترشد أو المسترشد. من تلك السبع هناك ثلاث لها علاقة مباشرة بالإرشاد المهني أما البقية فلها علاقة بالمشاكل النفسية والاجتماعية وان كانت تلامس الإرشاد المهني بصورة بسيطة أحيانا. الثلاث مشاكل هي:
1) غياب الهدف أو التردد.
2)التعبير عن مشاعر قلق حيال الطموحات المرتفعة أو عدم الواقعية.
3) صراع بين خيارات مناسبة ومتماثلة.
أهداف الإرشاد توضع عمليا بناء على المشكلة التي يتم تحديدها وغالبا مايعبر عن ذلك بإزالة المشكلة.
Krumboltz وزملائه تعرفو على سلسلة من 8 خطوات في عملية الإرشاد المهني. من نواحي عديدة تلك القائمة من الخطوات شبيهة بخطوات السمات والعوامل وخطوات الإرشاد النمائي السابق ذكرها. الثمان خطوات هي:
1) تعريف المشكلة وأهداف المسترشد
2) الاتفاق والإجماع على إنجاز أهداف الإرشاد
3) حصر كل الحلول المتاحة للمشكلة والتفكير فيها.
4)جمع المعلومات عن الخيارات
5)تفحص عواقب كل الخيارات
6)إعادة تقييم الأهداف والخيارات والعواقب
7)عمل القرار أو مبدئيا اختيار أحد الخيارات مشروطا أو متوقفا على التطورات والفرص الجديدة
8)تعميم عملية اتخاذ القرار لمشاكل جديدة.
يقترح Krumboltz أن تأثير نظرية التعلم الاجتماعي على طريقة عمل المرشدين سوف يتضمن تدريس اتخاذ القرار كمهارة وتنقيح محكات النجاح في الإرشاد المهني وتطوير اكثر تنظيما للميول والتفضيلات المهنية. هذا التأكيد على اتخاذ القرار يؤيده باحثين آخرين مثل جيلات Gelatt وزملائه. يرى Krumboltz أن تدريس مهارات اتخاذ القرار سيساعد المسترشد لاحقا عندما تتطلب الظروف المتغيرة تعديل قرارات سبق اتخاذها. عندما يتعلم المسترشد منهج قابل للتعميم على تلك المواقف فانه يجب أن يكون قادرا على عمل قرارات مرضية بشكل مستقل.
ثانيا يقترح Krumboltz أن المحك الهام لقياس الإرشاد المهني الناجح يجب أن لا يكون درجة التأكد التي عند المسترشد بخصوص القرار الحالي وإنما يجب أن يكون مدى استخدام الإجراءات المناسبة في عمل القرار. أخيرا يؤيد Krumboltz قضاء المرشدين وقتا أطول مع العملاء لكي يساعدوهم على استكشاف الفرص المهنية وبالتالي يساعدوهم على اكتساب مفاهيم مهنية دقيقة وعلى اخذ الجوانب الإيجابية والسلبية لكل خيار في الاعتبار.
من خلال النظر إلى الخطوات الثمان في عملية الإرشاد التي اقترحها Krumboltz وزملائه يمكن رؤية أن المقابلة تلعب دورا رئيسيا في الإرشاد المهني كما يرونه. عملية الإرشاد عندهم تقريبا تتكون من تفاعل مستمر بين المرشد والمسترشد فيما عدا أجزاء من الخطوات الثالثة والخامسة والتي تركز على الاستكشاف المهني للخيارات المتنوعة. المقابلات غالبا تخدم عدة وظائف من ضمنها جمع المعلومات، استكشاف الاتجاهات والمشاعر، والتعزيز وقد تتراوح بين علاقات تدريسية إلى جلسات إرشاد غير مباشر.
نظرا لان Krumboltz وGelatt نادرا ما تحدثو عن المقاييس فانه من الطبيعي القول بان المقاييس نادرا ما تستخدم في الإرشاد المستند إلى نظريات التعلم الاجتماعي واتخاذ القرار. بهذا الخصوص يوضح كرايتس Crites أن هذا الإهمال للمقاييس ربما يعود لتركيز هؤلاء المنظرين على التفاعل بين الفرد والبيئة في حين أن المقاييس عادة تعطي معلومات توضح الفروق الفردية.
على اليد الأخرى، نجد أن مواد أو مصادر المعلومات المهنية تستخدم بكثافة بواسطة هؤلاء المنظرين. التركيز عادة يوضع على الأنواع من المعلومات ذات التوجه الواقعي مثل قيام المسترشد بقضاء يوم مع موظف أو عامل لمشاهدة كل ما يقوم به أو ما يسمى Shadowing )يكون المسترشد مثل ظل الموظف!)، أو تدريبات عمل مصطنعة، أو التجريب الفعلي للوظيفة. يتوقع Krumboltz انه في حال الاعتماد الواسع لنظريته في التعلم الاجتماعي، أن يكون هناك تأكيد على مساعدة المراهقين على تعلم الكثير عن الوظائف وبشكل واسع ومتعمق وعلى اكتساب مهارات اكثر ارتباطا بالوظائف.
النتيجة الإرشادية المتوقعة من قبل منظري التعلم الاجتماعي واتخاذ القرار تتعلق عادة بالمشكلة الحاضرة عند المسترشد وبشكل اكثر عملية النتيجة المتوقعة هي إزالة المشكلة. عموما Krumboltz توقع 3 نتائج هي :
1-تغيير السلوك الذي يشير إلى سؤ التكيف
2- تعلم عملية اتخاذ القرار
3) الوقاية من المشاكل أو منع وقوعها.
المناهج أو الأساليب الانتقائية: Eclectic Approach
الآن يفترض أن يكون واضحا للقارئ أن كل واحدة من وجهات النظر التي سبق وصفها بها بعض المميزات للمرشد المعتنق لذلك المنحى أو وجهة النظر. في نفس الوقت كل وجهة نظر بها بعض العيوب أو المحدودية التي تحد من فعالية المرشد الذي يمارس الإرشاد وهو متبني أو ملتزم بمنحى نظري معين.بعض الباحثين حاولو أيضا الجمع بين عدة مناحي أو مناهج في نظام أوسع واكثر مرونة. مثال ذلك المنحى أو المنهج المتكامل الذي اقترحه Crites .
نظرية النمو المهني بالرغم من جهود العديد من الكتاب لاتزال مجزئة وغير مكتملة. هذا الوضع يعود بدرجة معينة إلى الحاجة لمزيد من الوقت لإجراء أو إكمال البحوث التي ستوفر إطارا لتوضيح أو تعديل وجهات النظر الموجودة. في غضون ذلك، كما يشير Osipow ، المرشدون يتعاملون مع عملاء ذوي حاجات ومشاكل مختلفة. لذلك فانه يقترح أن تلك المشاكل والحاجات المتغيرة للعملاء يمكن مقابلتها أو التعامل معها بفاعلية عن طريق الانتقاء من تلك المناحي النظرية الموجودة واستخدام تلك الآليات والمصادر التي يبدو أن لها فرصة كبيرة لتقديم مساعدة جيدة لكل عميل من خلال إطار عمل منطقي ومناسب.
هذا المنهج العملي سينتج عنه أحيانا اختيار أو اقتراح إجراءات تبدو غير متسقة مع واحد أو اكثر من المواقف النظرية التي سبق مناقشتها. ولكن ذلك سيكون متسقا مع محك أساسي وهو ماهو افضل شيء سيساعد المسترشد عند ذلك الوقت. بمعنى آخر فان مصلحة المسترشد ونموه الفعال أهم من الاتساق النظري.
منهجنا سيتضمن تغيير لدور المرشد. في بعض الأحيان المرشد ريما يكون الخبير المباشر كما يقترح ذلك منظري منهج السمة والعامل. في أوقات أخرى المرشد ربما يكون مرشد أو معلم تأملي كما يوصي بذلك المنحى النمائي. إضافة إلى تلك الأدوار وغيرها، فان المرشد سيتقمص في الغالب دورا "تعاونيا" كما اقترح Crites 1981. في وقت من الأوقات، كان يعتقد أن المرشد يجب أن يتخذ دورا متسقا (أو واحدا) لكي يمنع تشتت أو إرباك المسترشد. ولكن هذا الرأي ربما يكون صحيحا عند إرشاد العملاء ذوي المشاكل أو الاضطرابات الشديدة، ولكنه لا يبدو صحيحا عند التعامل مع معظم العملاء الذين ينشدون إرشادا مهنيا.
شبيه بتنوع الدور، فان هناك العديد من المصادر المتاحة للمرشد والتي يمكن استخدامها بشكل انتقائي لمساعدة المسترشد. مهارة المقابلة عند المرشد تمثل أهم مصدر لان هذا يشكل أساس العلاقة بين المرشد والمسترشد والتي تعتبر أساسية لكل ما يحدث في الإرشاد المهني. مشاكل واهتمامات العملاء يمكن أن تظهر من داخل المسترشد أو قد تظهر من عوامل بيئية أو خارجية. أحيانا تلك المشاكل تحتاج معلومات أو تقييم تكون افضل طريقة للحصول عليه هي المقاييس وما شابهها من آليات جمع وتقييم المعلومات. في بعض المواقف ربما تكون هناك حاجة لتطوير أو تدعيم مهارات المسترشد وهنالك العديد من الآليات التي قد يكون استخدامها اكثر فاعلية. أيضا في ظروف أخرى الحاجة ربما تتركز على تقييم وفهم معلومات خارجية قد تكون مهمة لاتخاذ القرار مثل ماهي الوظيفة ومتطلباتها في الواقع أو كيف يعد الشخص نفسه لها أو ماهي مميزاتها والجوانب المرضية فيها. أحيانا العملاء الذين ينشدون إرشادا مهنيا قد يظهرون أو قد تبدو عليهم مشاكل ذات وجهة داخلية أو وجهة خارجية بدرجة كافية لإعاقة الإرشاد المهني الفعال. عندئذ المرشد يجب أن يعطي الأولية لتلك المشاكل المعيقة قبل أن يلتفت للمبررات أو الأسباب التي يقول المسترشد بأنها هي سبب قدومه للمرشد.
المرشدين الانتقائيين، مثلهم مثل المرشدين المعتنقين لإطار نظري مرجعي أضيق، ينشدون حلا فعالا لمشكلة المسترشد ويعتبرون ذلك النتيجة المتوقعة للإرشاد. مع بعض العملاء هذه العملية قد تكون سهلة نسبيا وتتطلب التعرف على موانع اتخاذ القرار المناسب وإزالتها. ولكن في حالات أخرى بعض العوامل الدخيلة يجب التعامل معها وحلها قبل التقدم إلى المشكلة التي يعرضها المسترشد. وعلى أية حالة فان سبب وجود المرشد في الأساس هو مساعدة المسترشد على التغلب على المشكلة التي يحضرها له المسترشد